مشتهى الأجيال

665/684

توبة بطرس

وكان هنالك درس آخر كان على يسوع أن يقدمه ، وله صلة خاصة ببطرس. لقد كان إنكار بطرس المشين لسيده متناقضا تماما مع ادعائه السابق بالولاء للسيد . لقد أهان المسيح وتعرض لارتياب إخوته فيه . وكانوا يظنون أنه لن يسمح له بأن يحتل مكانته التي كانت له بينهم من قبل . وكان هو نفسه يشعر بأنه قد خان الأمانة . فقبلما يدعى ليستعيد مركزه من جديد ويضطلع بعمله الرسولي عليه أن يبرهن أمامهم جميعا على توبته .وبدون هذا فإن خطيته ، مع أنه قد تاب عنها ، قد تلاشي تأثيره كخادم للمسيح ، فأعطاه المخلص الفرصة ليستعيد ثقة إخوته ، وبقدر الإمكان يمحو العار الذي قد جلبه على الإنجيل. ML 766.1

هنا درس مقدم لكل تابع للمسيح. إن الإنجيل لا يمكن أن يعقد أي اتفاق مع الشر ، ولا يمكنه التغاضي عن الخطية . فالخطايا السرية يجب الاعتراف بها سرا أمام الله . أما فيما يختص بالخطايا العلنية فينبغي أن يكون الاعتراف بها علنيا . إن العار الذي جلبه التلميذ بخطيته يقع على المسيح . إنه يجعل الشيطان ينتصر والنفوس المترددة تتعثر . فلكي يبرهن التلميذ على توبته عليه بقدر الإمكان أن يمحو هذا العار. ML 766.2

فإذ كان المسيح وتلاميذه جالسين يتناولون الغداء معا قال المخلص لبطرس: “ يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء؟” قال هذا مشيرا إلى إخوته التلاميذ . لقد أعلن بطرس مرة قائلاً: “وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً” (متى 26 : 33). ولكنه الآن يعرف نفسه معرفة أعمق وأصدق . أجاب “نعم يا رب أنت تعلم أني أحبك” دون أن يعطي تأكيداً حارا عن محبته التي تفوق محبة إخوته للسيد ولا يعبر الآن عن اندفاعه بل يترك تقدير إخلاصه إلى ذاك الذي يقرأ بواعث القلب والضمير بقوله: “ أنت تعلم أني أحبك ” . وهنا يأمره يسوع قائلاً: “ارع خرافي” (يوحنا 21 : 15، 16). ML 766.3

ومرة أخرى قدم يسوع نفس الامتحان لبطرس مكررا كلماته السابقة ، قائلا: “ يا سمعان بن يونا أتحبني؟” وفي هذه المرة لم يسأل بطرس ما إذا كان يحبه أكثر من إخوته. فجاء جواب بطرس الثانى كالأول لا أثر فيه للتأكيد المبالغ فيه فقال: “نعم يا رب، أنت تعلم أني أحبك” قال له يسوع: “ارع غنمي”. وللمرة الثالثة سأله المخلص ذلك السؤال الفاحص قائلا: “يا سمعان بن يونا، أتحبني؟” فحزن بطرس إذ ظن أن يسوع يشك في محبته . لقد عرف أن لسيده الحق في أن يشك فيه . فمن أعماق قلبه المتألم أجاب قائلا: “يا رب، أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أني أحبك”. فقال له يسوع مرة أخرى: “ارع غنمي” (يوحنا 21 : 16 و 17). ML 767.1

كان بطرس قد أنكر سيده ثلاثا جهارا أمام الناس ، لذلك جعله المسيح يعترف أمامه ثلاث مرات مؤكدا له حبه وولاءه ، إذ جعل ذلك السؤال يتغلغل في أعماقه كسهم مسنون إلى قلبه الدامي. لقد كشف يسوع أعماق توبة بطرس أمام عيون أولئك التلاميذ المجتمعين ، وأراهم كيف أن ذلك التلميذ الذي كان قبلا متفاخرا قد اتضع وأذل تماما. ML 767.2

كان بطرس مقداما وسريع الاندفاع بطبعه ، وقد استفاد الشيطان من تلك النقائص ليسقطه. ولكن قبيل سقوط بطرس قال له يسوع: “هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة! ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبّت إخوتك” (لوقا 22 : 31 و 32). ثم جاء ذلك الوقت وظهر التغيير واضحا في بطرس . إن تلك الأسئلة المتقاربة الفاحصة التي قدمها الرب لبطرس لم يجب عنها بأية عبارة جريئة ولا قدم جوابا يدل على الاكتفاء بالذات . وبسبب اتضاع بطرس وتوبته أعد إعدادا أفضل من الأول ليكون راعيا للقطيع. ML 767.3