مشتهى الأجيال
يخرجون للصيد
كان وقت المساء جميلا ، وإذا ببطرس الذي كان لا يزال يحن إلى قواربه وصيده يقترح على رفقائه أن يخرجوا إلى عرض البحر ويلقوا شباكهم للصيد. وكان الجميع مستعدين لتنفيذ تلك الفكرة إذ كانوا في حاجة إلى الطعام واللباس اللذين يمكن أن يسدهما الصيد الناجح في تلك الليلة . وهكذا خرجوا في السفينة ولكنهم لم يمسكوا شيئا . لقد ظلوا يكدون طوال الليل بلا جدوى . وفي غضون ساعات تلك الليلة المضنية ظلوا يتحدثون عن سيدهم الغائب ويستعيدون ذكريات الحوادث العجيبة التى شهدوها بجانب البحر . وكانوا يتساءلون عن مستقبلهم ، وقد حزنوا عندما ذكروا ما ينتظرهم في مستقبل الأيام. ML 765.1
ولكن طوال تلك المدة كان على الشاطئ رقيب فريد يراقبهم بنظره وإن يكونوا لم يروه. أخيرا انبثق نور الفجر وكانت السفينة قريبة من الشاطئ فرأى التلاميذ شخصا غريبا واقفا هناك ، وقد بادرهم بهذا السؤال :“يا غلمان ألعل عندكم إداماً؟” فلما أجابوه قائلين: لا! فقال لهم: ألقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا. فألقوا، ولم يعوجوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك” (يوحنا 21 : 5 و 6) عرف يوحنا ذلك الغريب فصاح يقول لبطرس “هو الرب! ”. ففرح بطرس وابتهج حتى أنه من شدة شوقه ألقى بنفسه في الماء وسرعان ما كان بجوار معلمه على الشاطئ . ثم أتى التلاميذ الآخرون في السفينة ومعهم الشبكة ملآنة سمكا . “ فلما خرجوا إلى الأرض نظروا جمراً موضوعاً وسمكاً موضوعاً عليه وخبزاً” (يوحنا 21: 9). ML 765.2
اعترتهم دهشة بالغة عقدت ألسنتهم عن أن يسألوا من أين أتى الجمر والطعام: “ قال لهم يسوع” قدّموا من السمك الذي أمسكتم” (يوحنا 21: 10). فاندفع بطرس إلى الشبكة التي كان قد تركها وأعان إخوته في سحبها إلى الشاطئ . فبعدما أتموا العمل وأعدوا كل شيء أمرهم يسوع أن يتغدوا . ثم كسر الخبز وقسمه بينهم فعرفه التلاميذ السبعة واعترفوا به ، فعادت إلى أذهانهم الآن ذكرى إشباع الخمسة الآلاف على جانب الجبل . ولكن خوفاً غامضا وقع عليهم فجعلوا يشخصون في المخلص المقام وهم صامتون. ML 765.3
وبكل وضوح ذكروا المنظر الذي حدث بجانب البحر عندما دعاهم يسوع ليتبعوه. لقد ذكروا كيف أنهم امتثالا لأمره بعدوا في العمق وألقوا الشبكة ، وكيف أنها أمسكت سمكا كثيرا جدا حتى بدأت تتمزق. وحينئذ دعاهم يسوع لأن يتركوا سفن صيدهم ووعدهم بأنه سيجعلهم صيادي الناس . وقد كرر نفس المعجزة الآن ليجعل ذلك المنظر ماثلا في أذهانهم ويعمق تأثيره في نفوسهم . كان عمله هو تجديد إرساليته لتلاميذه . وقد أبان لهم أن موته لم يقلل من التزامهم بالقيام بالعمل الذي عينه لهم . ومع أنهم كانوا سيحرمون من عشرته ورفقته الشخصية لهم ، ومن موارد الرزق الذي كانوا يحصلون عليه من حرفتهم الأولى فإن المخلص المقام سيرعاهم . ففيما كانوا يقومون بعمله تكفل هو بتدبير أعوازهم. كان ليسوع غرض خاص عندما أمرهم بإلقاء الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن ، فقد كان واقفا على الشاطئ على الجانب الأيمن الذي كان جانب الإيمان . فإذا عملوا وخدموا وهم مرتبطون به- واتحدت قوته الإلهية مع جهدهم البشري- فلن يفشلوا. ML 765.4