مشتهى الأجيال

656/684

موسى والأنبياء

وإذ ابتدأ من موسى الذي هو أول تاريخ الكتاب المقدس جعل يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب . ولو كان قد عرفهما بنفسه من الأول لكان قلباهما قد شبعا . وفي ملء فرحهما ما كانا يتوقان إلى أي شيء آخر . ولكن كان من اللازم لهما أن يفهما الشهادة المقدمة له في رموز العهد القديم ونبواته . فينبغي أن يثبتا إيمانهما على هذه الأمور . لم يصنع المسيح معجزة لإقناعهما ، ولكن عمله الأول كان أن يفسر لهما الكتب. لقد ظنا أن موته كان ضربة قاضية لكل آمالهما وانتظاراتهما . أما الآن فقد أراهما من الأنبياء أن هذا هو أول برهان لتثبيت إيمانهما. ML 753.4

إن يسوع بتعليمه لهذين التلميذين برهن علي أهمية العهد القديم كشاهد لرسالته .إن كثيرين من المعترفين بالمسيحية في هذه الأيام ينبذون العهد القديم مدعين أنه ما عادت له فائدة . ولكن هذا ما لا يعلم به المسيح . إنه يقدر العهد القديم تقديرا عظيما حتى لقد قال مرة “إن كانوا لا يسمعون من موسى والإنبياء، ولا إن قام واحد من الإموات يصدقون” (لوقا 16 : 31). ML 754.1

إن صوت المسيح هو الذي يتكلم في الآباء والأنبياء منذ عهد آدم إلى انقضاء الدهر .إن المخلص معلن في العهد القديم كما في العهد الجديد بكل وضوح سواء بسواء . إن النور المقتبس من النبوات الماضية هو الذي يبسط لنا حياة المسيح وتعاليمه في العهد الجديد بكل وضوح وجمال . ومعجزات المسيح هي برهان ألوهيته . ولكن البرهان الأعظم على كونه فادي العالم هو في المقارنة بين نبوات العهد القديم وتاريخ العهد الجديد. ML 754.2

إن المسيح في محاجته مع تلميذيه مما ورد في النبوات أعطاهما فكرة صحيحة عن وضعه في البشرية . إن انتظارهما لمسيا الذي كان سيجلس على عرشه ويأخذ سلطانه بحسب رغائب الناس كان أمرا مضللا . إذ أن هذا يتعارض مع الإدراك الصحيح لنزوله عن مقامه السامي العظيم المجيد إلى أحقر مكان وأدنى منزلة يمكن أن يصل إليها إنسان .رغب المسيح أن تكون أفكار تلميذيه طاهرة وصادقة في كل شيء . كان عليهما أن يفهما بقدر الإمكان ما يختص بكأس الآلام المعين عليه أن يشربها . وقد أبان لهما أن الصراع الهائل الذي لم يفهماه بعد كان إتماما للعهد الذي أبرم قبلما وضعت أساسات العالم . إذ وجب أن يموت المسيح كما وجب أن يموت كل من يتعدى الشريعة إذا ظل سادرا في عصيانه وخطاياه . كان هذا أمرا لابد منه ومنه لن ينتهي بهزيمة بل بنصرة أبدية مجيدة . وقد أخبرهما يسوع أنه ينبغي بذل كل الجهد لأجل خلاص العالم من الخطية . وينبغي أن يعيش تلاميذه كما عاش هو ويخدموا كما خدم بجهد شديد ومثابرة عظيمة. ML 754.3

وهكذا ظل المسيح يتحدث مع تلميذيه وفتح ذهنهما ليفهما الكتب . وقد أحس التلميذان بالإعياء ولكن الحديث لم ينقطع . لقد نطق المخلص بكلام الحياة واليقين ، ولكن أعينهما كانت لا تزال ممسكة عن معرفته . وإذ أخبرهما عن خراب أورشليم نظرا إلى المدينة المحكوم عليها بالهلاك وبكيا . ولكنهما لم يستطيعا معرفة ذلك الرفيق . ولم يكونا يعلمان أن الشخص الذي كان موضوع حديثهما كان سائرا معهما جنبا إلى جنب ، لأن المسيح أشار إلى نفسه كأنه إنسان آخر . وقد ظنا أنه ربما كان أحد الذين حضروا العيد العظيم وهو الآن عائد إلى وطنه . وكان نظيرهما يمشي بكل حذر على الطريق الصخري الوعر، وبين حين وآخر كان يتوقف معهما ليستريح قليلا . وهكذا ظلوا سائرين على الطريق الصخري ، بينما ذاك الذي بعد قليل كان سيجلس على يمين الله والذي استطاع إن يقول: “دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الإرض” كان سائراً إلى جوارهما (متى 28 : 18). ML 755.1