مشتهى الأجيال
الضيف المدعو
وفيما كانوا سائرين غربت الشمس ، وقبل وصول المسافرين إلى مكان راحتهم ترك الفعلة المشتغلون في الحقول عملهم . وإذ كان التلميذان مزمعان أن يدخلا بيتهما تظاهر الغريب وكأنه يريد أن يواصل السفر إلى مكان أبعد . ولكن التلميذين أحسا بقوة تجذبهما إليه . فلقد كانت نفساهما جائعتين لسماع المزيد من كلامه ، فقالا له: “امكث معنا” ولم يكن يبدو عليه أنه قد قبل دعوتهما . فألحا عليه قائلين: “لأنه نحو المساء وقد مال النهار”، فأجاب المسيح طلبهما “فدخل ليمكث معهما” (لوقا 24 : 29). ML 755.2
لو أن التلميذين لم يلحا في دعوتهما لما كانا قد عرفا أن رفيقهما في السفر هو الرب المقام . إن المسيح لا يفرض نفسه أبدا على أي إنسان . إنه يهتم بمن يحتاجون إليه . إنه بكل سرور يدخل أحقر بيت ليفرح أشد القلوب تواضعا . أما إذا كان الناس عديمي الاكتراث بحيث لا يفكرون في الضيف السماوي ولا يسألونه أن يمكث معهم فهو يتحول ويعبر. ML 755.3
وهكذا يخسر كثيرون خسارة عظيمة . إنهم لا يعرفون المسيح كما لم يعرفه ذانك التلميذان وهو سائر معهما حول الطريق. ML 756.1
وسرعان ما أعد طعام العشاء البسيط من الخبز ، ووضع أمام الضيف الذي أخذ مكانه على رأس المائدة . والآن هاهو يبسط يديه ليبارك الطعام . وإذا بالتلميذين يتراجعان في دهشة ، وإذا برفيقهما يبسط يديه كما اعتاد معلمهما أن يفعل تماما . ثم إذ ينظران إلى يديه ثانية يريان فيهما أثر المسامير . فيصيحان كلاهما في الحال: إنه الرب يسوع ! لقد قام من الأموات ! ML 756.2
وإذ يقومان ليخرا عند قدميه ويسجدا له يختفي عن نظرهما . ثم ينظران إلى المكان الذي كان يجلس فيه ذاك الذي كان جسمه مدفونا في القبر منذ عهد قريب ، ويقول أحدهما للآخر: “ألم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يكلّمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟” (لوقا 24 : 32). ML 756.3
ولكن إذ حصلا على هذا الاختبار الجميل وصار عندهما هذا الخبر المفرح ليبلغاه لم يستطيعا الجلوس ليتحدثا معا ، بل ما عادا يحسان بالجوع أو الإعياء ، فيتركان الطعام دون أن يذوقا منه شيئا ، وإذ يمتلئ قلباهما فرحا يخرجان توا عائدين في نفس الطريق التي قدما منها متجهين إلى أورشليم ، مسرعين ليخبرا التلاميذ في المدينة بما قد رأياه وسمعاه . في بعض أجزاء الطريق لم يكن السير مأمونا ولكنهما يتسلقان الأماكن الشديدة الانحدار ، وكانت أرجلهما تنزلق على الصخور الملساء . إنهما لا يريان ولا يعرفان أنهما في حراسة ذاك الذي كان سائرا معهما في نفس الطريق . وإذ يمسك كل منهما عصاه ليتوكأ عليها جعلا يحثان الخطى وهما يتمنيان لو يسرعان في السير . ومع أنهما كانا يضلان الطريق بعض الوقت فإنهما يعودان إليه ثانية . أحيانا كانا يركضان وأحيانا أخرى كانا يتعثران ولكنهما كانا دائما يجدان في السير ، وكان رفيقهما غير المنظور بجانبهما دائما. ML 756.4
الليل قاتم الظلام ولكن شمس البر يشرق عليهما بنوره . إن قلبيهما يكادان يقفزان من شدة الفرح ، ويبدو وكأنهما في عالم جديد . إن المسيح مخلص حي . ما عادا ينوحان عليه كمن هو ميت . لقد قام المسيح !- وهما يرددان هذا القول مرارا عديدة . هذه هي الرسالة التى يحملانها إلى التلاميذ النائحين المحزونين . ولابد أن يخبراهم بتلك القصة العجيبة قصة السير إلى عمواس ، ولابد أن يخبراهم عمن كان رفيقا لهما في السفر . إنهما يحملان أعظم رسالة أعطيت للعالم ، رسالة بشرى مفرحة عليها تتوقف آمال الأسرة البشرية في الزمن الحاضر وفي الأبدية . ML 756.5