مشتهى الأجيال

655/684

الرجل الغريب

وما أن تقدما في سيرهما قليلا حتى انضم إليهما ثالث وكان رجلا غريبا ، ولكنهما كانا غارقين في كآبتهما وخيبة آمالهما حتى لم يتبينا هيئته جيدا وقد استأنفا الحديث معبرين عن أفكار قلبيهما . كانا يتباحثان فيما يختص بالتعاليم التي نطق بها المسيح والتي بدا أنهما لا يفهمانها . وفيما كانا يتحدثان عن تلك الأحداث التى جرت أخيرا كان يسوع يتوق إلى تعزيتهما . لقد رأى حزنهما وفهم الأفكار المتضاربة المحيرة التي جعلتهما يفكران قائلين هل يمكن أن هذا الإنسان الذي رضي أن يذل ويهان إلى هذا الحد يكون هو المسيح ؟ واستبد بهما الحزن فلم يستطيعا أن يمسكا نفسيهما عن البكاء . علم يسوع أن قلبيهما مرتبطان به بربط المحبة فاشتاق إلى أن يمسح دموعهما ويملأهما بالفرح والسعادة . ولكن عليه أولا أن يقدم لهما دروسا لا ينسيانها أبدا. ML 752.2

“فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارخان به وأنتما ماشيان عابسين؟ فأجاب أحدهما، الذي اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرّب وحدك في أورشليم ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام؟” (لوقا 24 : 17 و 18). ثم أخبراه عن خيبة آمالهما في معلمهما “الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقوم أمام الله وجميع الشعب”، ومع ذلك “أسلمه رؤساء الكهنة وحكّامنا لقضاء الموت وصلبوه” وبقلبين أدماهما الحزن وأثقلتهما خيبة الأمل قالا: “ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل. ولكن، مع هذا كله، اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك” (لوقا 24 : 19 — 27). ML 753.1

والغريب أن التلاميذ لم يذكروا أقوال المسيح ولا تحققوا من أنه قد سبق فأنبأ بالحوادث التي حدثت . ولم يتحققوا من أن الجزء الأخير من إعلانه سيتم بكل تأكيد كما تم الجزء الأول وأنه سيقوم في اليوم الثالث . هذا هو الجزء الهام الذي كان يجب عليهم أن يذكروه . إن الكهنة والرؤساء لم ينسوا هذا التصريح ، “وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: يا سيد، قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حيّ: إني بعد ثلاثة أيام أقوم” (متى 27 : 62 و 63). أما التلاميذ فلم يذكروا تصريح المسيح هذا. ML 753.2

“فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلّم به الإنبياء! أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟” (لوقا 24 : 25 و 26). تساءل التلميذان في من يكون هذا الغريب حتى يعرف دخيلة نفسيهما ويكتشف ما في قلبيهما ويتحدث بمثل تلك الغيرة وذلك الحنو والعطف والرجاء ؟ فلأول مرة بعد تسليم المسيح بدآ يحسان بالرجاء . وكثيرا ما كانا يتطلعان باهتمام إلى رفيقهما ويفكران أن أقواله هي نفس ما كان سيحدثهما به المسيح ، فامتلآ دهشة وابتدأت الآمال المشرقة تنير قلبيهما. ML 753.3