مشتهى الأجيال
شك وحيرة
كان أول عمل للمسيح على الأرض بعد قيامته هو أن يقنع تلاميذه بمحبته الكاملة واعتباره الرقيق لهم . وقد ظهر لهم مرارا وتكرارا ليبرهن لهم على أنه مخلصهم الحي وأنه قد حطم قيود القبر وما عاد عدوه الموت يمسكه بعد . ولكي يعلن لهم أنه لا يزال يكن لهم نفس المحبة التي كانت في قلبه نحوهم كما كان عندما كان هو معلمهم الحبيب ظهر لهم مرارا . لقد أراد أن يمكِّن أواصر المحبة بينه وبينهم أكثر مما كانت . قال للمرأتين: اذهبا قولا لإخوتي أن يلاقوني في الجليل. ML 750.1
عندما سمع التلاميذ بهذا الميعاد الذي حدده السيد بكل توكيد ابتدأوا يذكرون أقواله التي أنبأهم فيها بقيامته . ولكن حتى إلى الآن لم يجد الفرح طريقه إلى قلوبهم إذ لم يستطيعوا أن يطرحوا عنهم شكوكهم وحيرتهم . حتى بعدما أخبرتهم المرأتان بأنهما قد رأتا الرب لم يصدقهما التلاميذ ، وظنوا أنهما قد وقعتا تحت تأثير خداع. ML 750.2
لقد بدأ وكأن ضيقا يتلوه ضيق . ففي اليوم السادس من الأسبوع رأى التلاميذ سيدهم يموت ، وفي اليوم الأول من الأسبوع لم يجدوا جسده في القبر ، كما اتهموا بسرقة الجسد لإيهام الناس وخداعهم . وقد كانوا يائسين من تصحيح تلك الأكاذيب التي أشيعت ضدهم ووصلت إلى كل الأسماع . وكانوا يخشون عداوة الكهنة وغضب الشعب فتاقوا إلى حضور يسوع الذي أعانهم في كل مشكلاتهم. ML 750.3
مرارا كثيرة كانوا يرددون هذا القول: “ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل”. ففي وحدتهم وحزن قلوبهم ذكروا قوله: “لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس؟” (لوقا 24 : 21 ؛ 23 : 31). وقد اجتمعوا معا في الليلة وأغلقوا خلفهم الأبواب وأوصدوها جيدا إذ كانوا يعلمون أن مصيرهم سيكون كمصير معلمهم المحبوب. ML 750.4
لكن كان يمكنهم أن يكونوا فرحين طول تلك المدة لعلمهم بأن مخلصهم قد قام . لقد وقفت مريم في البستان باكية في حين كان يسوع قريبا منها جدا . إن الدموع أعمت عينيها فلم تميزه . وكذلك كانت قلوب التلاميذ مفعمة حزنا بحيث لم يصدقوا رسالة الملائكة ولا كلام المسيح نفسه. ML 751.1
كم من الناس لا زالوا يفعلون نفس ما فعله التلاميذ ! وكم منهم يرددون صرخة اليأس التي نطقت بها مريم حين قالت: “أخذوا سيدي، ولست أعلم أين وضعوه!” (يوحنا 20 : 13). وكم من الناس يمكن أن يوجه إليهم هذا السؤال- لماذا تبكون ؟ إنه قريب منهم جدا ولكن عيونهم المغرورقة بالدموع لا تميزه . إنه يخاطبهم ولكنهم لا يفهمون كلامه. ML 751.2
حبذا لو أن الرؤوس المنحنية تنتصب والعيون تتفتح لتراه ، والآذان تصغي لصوته! “اذهبا سريعاً قولا لتلاميذه: إنه قد قام من الأموات”. قولا لهم ألا ينظروا إلى قبر يوسف الجديد الموضوع على بابه حجر كبير والمختوم بختم الرومان . إن المسيح ليس هناك . لا تنظروا إلى القبر الفارغ . لا تنوحوا كمن هم عاجزون ولا رجاء لهم. إن يسوع حي ولأنه حي فسنحيا نحن أيضاً معه . فمن أعماق القلوب الشاكرة والشفاه التى لمستها الجمرة المقدسة لترتفع تلك الأغنية المفرحة قائلة: المسيح قام ، وهو حي ليشفع فينا . تمسكوا بهذا الرجاء ليسند نفوسكم كمرساة ثابتة وأمينة . آمنوا فتروا مجد الله. ML 751.3