مشتهى الأجيال
توبة لص
وإذ كان يسوع يعاني أقسى ألوان العذاب على الصليب أشرقت على نفسه شعاعة من نور العزاء . تلك كانت صلاة اللص التائب . كان كلا اللصين المصلوبين مع يسوع يعيرانه في البداية ولكن أحدهما وهو متأثر بآلامه أمعن في تهوره وتحديه . أما رفيقه فلم يتمثل به . لم يكن هذا الرجل مجرما قاسي القلب . لقد ضل سواء السبيل بتأثير العشراء الأشرار ولكنه كان أقل جرما من أولئك الرجال الذين كانوا واقفين تحت الصليب يعيرون المخلص . كان قد رأى يسوع وسمع تعاليمه وقد بكتته تلك التعاليم ، ولكن الكهنة والرؤساء أبعدوه عن السيد . وإذ حاول أن يكبت اقتناعه غاص في الخطية أعمق فأعمق إلى أن قبض عليه وحوكم كمجرم وحكم عليه بالموت صلبا ، وقد كان بصحبة يسوع في دار القضاء وفي طريقه إلى جلجثة ، وسمع بيلاطس يصرخ قائلا: “أني لست أجد فيه علّة واحدة” (يوحنا 19 : 4). و قد لاحظ هيئته الإلهية وغفرانه ورحمته لمعذبيه . وعلى الصليب كان يرى كثيرين من رجال الدين يدلعون اللسان باحتقار ويسخرون بالرب يسوع . رأى أولئك الناس يهزون رؤوسهم وسمع تعييرات المعيرين التي جعل اللص الآخر يرددها إذ قال: “إن كنت أنت المسيح، فخلّص نفسك وإيانا!” (لوقا 23 : 29). وكان يسمع من بين المجتازين كثيرين يدافعون عن يسوع وهم يرددون أقواله ويتحدثون عن أعماله فيعود إليه اقتناعه بأن هذا لا بد أن يكون المسيح . فيلتفت إلى اللص الآخر ويقول له: “أولاً أنت تخاف الله، إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه؟” إن ذينك اللصين المحتضرين ما عادا يخافان الناس في شيء . ولكن الاقتناع بوجود إله يخشى ، ومستقبل يدعو إلى الرعب يضغطان على نفس أحدهما ، والآن فها حياته التي كانت كلها ملوثة بالشر والإثم موشكة على الانتهاء . ثم تأوه قائلا: “أما نحن فبعدل، أننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محلّه” (لوقا 23 : 40 و 41). ML 710.1
لا سؤال ولا شكوك أو تعييرات الآن . لما حكم على ذلك اللص بالموت أمسى يائسا بلا رجاء . ولكن ها الأفكار الغريبة الرقيقة تقفز إلى ذهنه بكل ما كان قد سمعه عن يسوع وكيف شفى المرضى وغفر الخطايا . وقد سمع أقوال من آمنوا بيسوع وتبعوه باكين نائحين . ورأى العنوان المكتوب فوق صليب المخلص وقرأه . وسمع المجتازين يرددونه وكان بعضهم يردونه وشفاههم ترتجف من فرط التأثر والحزن ، بينما كان آخرون يسخرون هازئين . وها الروح القدس ينير عقل ذلك اللص شيئا فشيئا فتتصل حلقات الأدلة بعضها ببعض . لقد رأى في يسوع المسحوق المزدرى به والمعلق على الصليب حمل الله الذي يرفع خطية العالم . وامتزج الرجاء بالعذاب في صوت ذلك اللص العاجز المائت وهو يلقي بنفسه على المخلص المائت صارخا وقائلا: “اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك” (لوقا 23 : 42). ML 711.1