مشتهى الأجيال
سخرية الأعداء
في آلام المسيح التي قاساها على الصليب تمت النبوة ، إذ سبق المخلص فأنبأ قبل ذلك بقرون طويلة عن نوع المعاملة التي كان سيعامل بها ، فلقد قال: “لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يديّ ورجليّ. أحصي كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرّسون فيّ. يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون” (مزمور 22 : 16 — 18). إن النبوة الخاصة بثيابه تمت بدون مشورة أو تداخل أصدقاء المصلوب أو أعدائه. فلقد أعطيت ثيابه للعسكر الذين رفعوه على الصليب ، وسمعهم المسيح يتنازعون وهم يقسمون ثيابه فيما بينهم . وكان قميصه بغير خياطة منسوجا كله من فوق . فقال بعضهم لبعض: “لا نشقه، بل نقترع عليه لمن يكون” (يوحنا 19 : 24). ML 708.3
وفي نبوة أخرى أعلن المخلص قائلا: “العار قد كسر قلبي فمرضت. انتظرت رقّة فلم تكن، ومعزّين فلم أجد. ويجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خلا” (مزمور 69 : 20 و 21). كان الذين يحكم عليهم بالموت صلبا يسمح بإعطائهم جرعات مخدرة حتى لا يحسوا بالألم . وقد قدمت تلك الجرعة ليسوع ، لكنه عندما ذاقها لم يرد أن يشربها. لم يرد أن يتجرع شيئا يشوش عقله أو يربكه ، إذ ينبغي أن يثبت إيمانه في الله ، ففي هذا كانت قوته الوحيدة . إن تخدير حواسه كان سيعطي للشيطان ميزة. ML 708.4
صب أعداء يسوع جامات غضبهم عليه وهو معلق على الصليب . لقد اشترك الكهنة والرؤساء والكتبة مع الرعاع في السخرية بالمخلص في ساعة احتضاره . عند معمودية المسيح وتجليه سمع صوت الله معلنا أن المسيح هو ابنه . ومرة أخرى قبيل تسليمه تكلم الآب شاهدا لألوهية ابنه . أما الآن فقد صمتت السماء ، ولم تسمع أية شهادة لصالح المسيح ، فاحتمل وحده إهانة الأشرار وسخريتهم. ML 709.1
وجعلوا يعيرونه قائلين: “إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب! ”، “ليخلّص نفسه إن كان هو المسيح مختار الله!” (متى 27 : 40 ؛ لوقا 23 : 35). في برية التجربة قال له الشيطان: “إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً”، “إن كتت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل” من على جناح الهيكل (متى 4 : 3 و 6). وقد كان الشيطان وجنوده حاضرين أمام الصليب في هيئة بشرية . كان رئيس الشياطين وجنوده يتعاونون مع الكهنة والرؤساء . إن معلمي الشعب أثاروا الرعاع الجهلاء حتى يدينوا ذاك الذي لم يسبق لكثيرين منهم أن رأوه ، كما أرغموا على الشهادة ضده . لقد تحالف الكهنة والرؤساء والفريسيون مع الرعاع القساة القلب في جنون شيطاني . تحالف الرؤساء الدينيون مع الشيطان وجنوده وكانوا يأتمرون بأمره. ML 709.2
وإذ كان يسوع يتألم وهو يحتضر سمع ما نطق به الكهنة حين أعلنوا قائلين: “خلّص آخرين وأمّا نفسه فما يقدر أن يخلّصها! إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به!” (مرقس 15 : 31 و 32). كان المسيح يستطيع أن ينزل عن الصليب ، ولكن رجاء الخاطئ في غفران الله ورضاه ينحصر في كون المسيح لم يرد أن يخلص نفسه. ML 709.3
إن أولئك الرجال الذين ادعوا أنهم مفسرو النبوات كانوا وهم يسخرون بالمخلص يرددون نفس الأقوال التي سبق الوحي فأنبأ بأنهم سيقولونها في تلك المناسبة . ومع ذلك فإنهم في عمى قلوبهم لم يروا أنهم كانوا يتممون النبوات . وأولئك الذين قالوا في سخرية: “قد اتّكل على الله، فلينقذه الآن إن أراده! لأنه قال: أنا ابن الله!” (متى 27 : 43) لم يكونوا يفكرون في أن شهادتهم سيتردد صداها عبر الأجيال . ولكن مع إن هذا الكلام قيل على سبيل السخرية فقد كان دافعا للناس لأن يفتشوا الكتب كما لم يفعلوا من قبل . وقد سمع الحكماء منهم وفتشوا وتفكروا وصلوا . وكان يوجد بعض من لم يعطوا أنفسهم راحة حتى قارنوا الأسفار المقدسة بعضها ببعض ورأوا معنى رسالة المسيح ولم يسبق أن انتشرت معرفة الناس ليسوع بصورة عامة كما حدث عندما علق على الصليب . لقد أشرق نور الحق في قلوب كثيرين ممن رأوا مشهد الصلب وسمعوا أقوال المسيح. ML 709.4