مشتهى الأجيال
في الفردوس
وسرعان ما أتاه الجواب . فبصوت رقيق عذب ملؤه الحب والحنان والسلطان قال له المخلص: “الحق أقول لك: إنك1 اليوم تكون معي في الفردوس” (لوقا 23 : 43). ML 711.2
وطوال ساعات العذاب الطويلة كانت أذنا يسوع تصطكان بسماع الشتائم وألفاظ السخرية . وإذ كان معلقا على الصليب كان يسمع التعييرات واللعنات تنهال عليه . وبقلب مشتاق كان يصبو إلى سماع كلمات تعبر عن الإيمان من أفواه تلاميذه . ولكنه لم يسمع غير هذه العبارة المحزنة: “ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل” (لوقا 24 : 21). إذاً فكم كان مفرحا لقلب المخلص كونه يسمع تلك الاستغاثة الدالة على الإيمان والحب من فم ذلك اللص المحتضر ! ففي حين أن رؤساء اليهود ينكرون ويتنكرون له ، حتى تلاميذه يشكون في ألوهيته فإن هذا اللص المسكين الواقف على حافة الأبدية يدعو يسوع رباً . لقد كان كثيرون على أتم استعداد لأن يدعوه رباً عندما كان يصنع المعجزات وبعد قيامته من الأموات . ولكن ولا واحد دعاه ربا وهو معلق على الصليب إلا ذلك اللص التائب الذي خلص في الساعة الحادية عشرة. ML 711.3
أصغى الواقفون تحت الصليب إلى كلام اللص وهو يدعو يسوع ربا ، واسترعت انتباههم نغمة كلام ذلك اللص التائب . وأولئك الذين كانوا يتشاجرون عند قاعدة الصليب على ثياب المسيح وهم يقترعون على قميصه كفوا عن الشجار ليصغوا وخفتت أصواتهم الغاضبة . وقد نظروا إلى المسيح وهم صامتون وانتظروا الجواب الذي ستنطق به تانك الشفتان المائتتان. ML 712.1
وعندما نطق السيد بذلك الوعد إذ بتلك السحابة القاتمة التي بدا إنها تكتنف الصليب يخترقها نور لامع محي . فقد حصل ذلك اللص التائب على السلام الكامل ، سلام القبول لدى الله ، وتمجد المسيح وهو في أشد حالات الاتضاع والإذلال . فذلك الذي رآه الجميع منهزما قد انتصر . لقد اعترف به كمن هو حامل الخطايا . يمكن للناس أن يعملوا ما يشاؤون بجسم بشريته ، يمكنهم أن يكللوا جبينه المقدس بإكليل الشوك وأن يجردوه من ثيابه ويتشاجروا وهم يقتسمونها . ولكنهم لا يستطيعون أن يجردوه من سلطانه على أن يغفر الخطايا . إن في موته شهادة على ألوهيته وعلى مجد الآب . إن أذنه لم تثقل عن أن تسمع ولا قصرت يده عن أن تخلص . إن من حقه كملك أن يخلص إلى التمام من يتقدمون به إلى الله. ML 712.2
الحق أقول لك اليوم ، تكون معي في الفردوس . إن المسيح لم يعد ذلك اللص بأنه سيكون معه في الفردوس في ذلك اليوم ، فهو نفسه لم يذهب إلى الفردوس في ذلك اليوم . لقد رقد في القبر وفي صباح يوم القيامة قال: “لم أصعد بعد إلى أبي” (يوحنا 20 : 17). ولكن ذلك الوعد قدم للص في يوم الصلب الذي كان يبدو أنه يوم الهزيمة والظلمة . إن المسيح يقول لذلك اللص: اليوم وأنا في هذه الحالة أموت على الصليب كفاعل شر أؤكد لك أنك سوف تكون معي في الفردوس. ML 712.3
إن اللصين اللذين صلبا مع يسوع كان أحدهما على جانبه من هنا والآخر على جانبه من هناك وهو في الوسط . وكانت هذه هي تعليمات الكهنة والرؤساء . إن مركز المسيح على الصليب الأوسط كان ليدل على أنه أشر المجرمين الثلاثة . وهكذا تم الكتاب القائل: “أحصي مع أثمة” (إشعياء 53 : 12). ولكن الكهنة لم يفطنوا إلى المعنى الكامل لعملهم . فكما أن يسوع المصلوب بين لصين وضع “في الوسط” فكذلك نصب صليبه في وسط العالم الذي وضع في الشرير . وكلمات الغفران التي قيلت للص التائب أشعلت نورا أضاء إلى أقصى الأرض. ML 712.4