مشتهى الأجيال
هيرودس يتبكت
ما أن نطق هيرودس بهذا الكلام حتى هجم الناس على المسيح . لقد هجم ذلك الشعب على يسوع كما تهجم الوحوش الضارية على الفريسة . فجعلوا يسحبونه هنا وهناك ، وقد شارك هيرودس جمهور الرعاع في إذلال ابن الله ، ولولا تدخل جنود الرومان وإرغامهم ذلك الشعب المخبول على التراجع لتمزق جسد المخلص إربا. ML 692.2
“فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به، وأبسه لباساً لامعاً” (لوقا 23 : 11). وقد اشترك جند الرومان في تلك الإهانات . إن كل ما استطاع أولئك الجنود الأشرار الفاسدون أن يبتكروه من إهانات بمساعدة هيرودس وأحبار اليهود انصب على المخلص ، ولكن صبره الإلهي لم يخذله. ML 692.3
حاول مضطهدو المسيح أن يقيسوا أخلاقه على أخلاقهم . لقد صوروه على إنه في مثل سفالتهم . ولكن خلف كل ذلك المظهر الحاضر ظهر منظر آخر- منظر سيرونه في ملء مجده يوما ما . كان يوجد بعض من ارتعبوا في حضرة المسيح ، فعندما كان ذلك الجمع السمج يجثون أمامه في سخرية تراجع بعض من تقدموا ليسخروا به وهم خائفون صامتون ، وقد تبكت هيرودس . لقد كانت آخر أشعة نور رحمة الله تسطع على قلبه الذي تقسى بالخطية ، وأحس بأن هذا الأسير لا يمكن أن يكون إنسانا عاديا لأن ألوهيته أشرقت من خلال بشريته ، ففي نفس الوقت الذي كان المسيح فيه محاطا بالهازئين والزناة والقتلة أحس هيرودس بأنه يرى أمامه إلها متربعا على عرشه. ML 692.4
ومع أن هيرودس كان رجلا قاسيا فإنه لم يجرؤ على المصادقة على إدانة المسيح ، فقد كان يرغب في إخلاء نفسه من المسؤولية الرهيبة فأعاد يسوع إلى دار القضاء الروماني. ML 693.1
أحس بيلاطس بالخيبة واغتم كثيرا . فلما عاد إليه اليهود بأسيرهم سألهم بضجر عما يريدونه أن يفعل . فجعل يذكرهم بأنه كان قد فحص يسوع ولم يجد فيه علة ، وأخبرهم بأنهم قد قدموا شكاوى ضده ولكنهم لم يستطيعوا إثبات تهمة واحدة ضده ، وقد أرسل يسوع إلى هيرودس حاكم الجليل وأحد بني أمتهم ولكنه هو أيضا لم يجد فيه علة تستوجب الموت .ثم قال لهم: “فأنا أؤدبه وأطلقه” (لوقا 23 : 16). ML 693.2
وهنا برهن بيلاطس على ضعفه . لقد أعلن أن يسوع بريء ولكنه أراد أن يجلده لكي يهدئ ثائرة المشتكين عليه . لقد آثر أن يضحي بالعدالة والمبادئ القويمة لكي يتواطأ مع أولئك الرعاع . هذا التصرف أوقفه في مركز حرج ، فقد ثار ذلك الجمع عليه بسبب تردده وازدادوا صراخا مطالبين بموت الأسير . فلو وقف بيلاطس ثابتا من البداية ورفض إدانة ذلك الإنسان الذي لم يجد فيه ذنبا ولا علة لكان قد حطم الأغلال المميتة التي كان سيوثق بها مكبلا بالإثم والندامة مدى حياته . لو نفذ اقتناعه بالصواب لما تجرأ اليهود على إملاء إرادتهم عليه . كان المسيح سيموت ولكن الجرم ما كان ليستقر على رأس بيلاطس . ولكن بيلاطس انحدر شيئا فشيئا في طريق مخالفة ضميره . لقد اعتذر لنفسه عن الحكم بالعدل والإنصاف ، وها هو الآن يكاد يكون عاجزا تماما بين أيدي الكهنة والرؤساء . إن تقلقله وتردده أفضيا إلى هلاكه . ML 693.3