مشتهى الأجيال

608/684

بصمته يذل كبرياء الملك

وقد وعد هيرودس المسيح أنه إذا صنع أمامه معجزة فسيطلق سراحه . لقد رأى المشتكون على يسوع بعيونهم العجائب التي صنعها بقوته ، وسمعوه وهو يأمر القبر أن يسلم الموتى الذين فيه ، كما رأوا الموتى يخرجون إطاعة لصوته . وأخشى ما كانوا يخشونه الآن هو أن يصنع معجزة يظهر بها قدرته ، لأن في إظهار قوته القضاء على كل خططهم وقد يكلفهم حياتهم . ومرة أخرى قدم الكهنة والرؤساء شكاياتهم في جزع شديد ، ثم رفعوا أصواتهم قائلين عن يسوع إنه خائن ومجدف وإنه يصنع معجزاته بقوة بعلزبول رئيس الشياطين . لقد صارت تلك القاعة مسرحا للارتباك والتشويش ، فالبعض كانوا يصرخون بشيء وغيرهم بشيء آخر. ML 691.1

كان ضمير هيرودس الآن أقل حساسية مما كان عندما اهتز رعبا حين طلبت هيروديا رأس يوحنا المعمدان . لقد ظل وقتا يحس بوخزات الندم الأليمة على عمله المريع ، ولكن أحاسيسه الأدبية ازدادت انحطاطا بسبب حياة الخلاعة التي عاشها . أما الآن فقد تقسى قلبه إلى حد أن صار يفتخر بالقصاص الذي أوقعه على يوحنا لأنه تجرأ على توبيخه . وها هو الآن يهدد يسوع إذ أعلن مرارا أن له سلطانا أن يطلقه وسلطانا أن يحكم عليه . ولكن لم يبد على يسوع أنه قد سمع شيئا. ML 691.2

أثار هذا الصمت ثائرة هيرودس ، إذ دل صمته على عدم اكتراثه لسلطانه . إن تجاهله لهذا الملك المختال الفخور سيكون أشد إيلاما له من مجرد توبيخه . ومرة أخرى هدد يسوع بغضب ، ولكنه ظل صامتا وثابتا. ML 691.3

إن رسالة المسيح إلى هذا العالم لم تكن لمجرد إشباع الفضول العاطل . لقد أتى لكي يشفي المنكسري القلوب ، فلو كان هنالك مجال لأن يتكلم كلاما يكون من نتائجه شفاء النفوس المريضة التي جرحتها الخطية لما ظل صامتا . ولكن لم يكن لديه ما يقوله لأولئك الذين يدوسون الحق تحت أقدامهم النجسة . ML 691.4

كان المسيح يستطيع أن يكلم هيرودس كلاما يخترق مسمع ذلك الملك القاسي ، وكان يمكنه أن يصعقه بالخوف والرعب إذ يكشف أمام عينيه كل خطاياه التي ارتكبها في مدى حياته وهول دينونته القادمة . ولكن صمت المسيح كان أقسى توبيخ يمكن أن يوجهه إليه . لقد رفض هيرودس الحق الذي قدمه إليه أعظم الأنبياء . ولذلك فلن تقدم إليه رسالة أخرى. لم يكن لدى جلال السماء ما يقوله له . إن تلك الأذن التي كانت أبدا مفتوحة لسماع كل شيء عن ويلات البشر وبلاياهم لم يكن لديها مجال لسماع أوامر هيرودس . وتانك العينان اللتان كانتا دائما تسستقران على الخاطئ في محبة مشفقة غافرة لم تلتفتا إلى هيرودس . وتانك الشفتان اللتان كانتا تنطقان بأقوى حق مؤثر واللتان جعلتا تنذران الخطاة المنحطين في توسل رقيق كانتا مطبقتين أمام الملك المتكبر الذي لم يكن يحس بحاجته إلى مخلص. ML 691.5

اكمد وجه هيرودس من فرط الغضب ، وإذ التفت إلى الجمع الواقف أمامه أعلن أن يسوع إنسان محتال دجال . وبعد ذلك قال ليسوع إذا لم تقدم برهانا على صدق دعواك فسأسلمك إلى العسكر والشعب فقد يفلحون في حملك على الكلام . فإن كنت محتالاً فإنك لا تستحق غير الموت بأيديهم . أما إن كنت ابن الله فخلص نفسك بعمل معجزة. ML 692.1