مشتهى الأجيال

604/684

تأخير حكم الموت

ولكن بيلاطس رأى في هذا الأسير شيئا منعه من التهور فلم يجرؤ على عمل ذلك .لقد عرف نوايا الكهنة ، وذكر كيف أن يسوع منذ أيام قليلة أقام لعازر الرجل الذي ظل مدفونا في قبره أربعة أيام. ولذلك عزم على ألا يلقي عليه حكما بالإدانة قبلما يعرف ما هي التهم الموجهة ضده ، وما إذا كان يمكن إقامة الدليل على صدقها. ML 686.1

فقال لهم: إذا كان حكمكم كافيا فلماذا جئتموني بهذا الأسير ؟ “ خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم” (يوحنا 18: 31). فإذ أحرجهم بيلاطس أجابوه قائلين إنهم قد حكموا عليه ولكن لا بد من أن ينطق هو بحكمه ليكون حكمهم شرعيا . فسألهم بيلاطس: وبماذا حكمتم ؟ فأجابوه قائلين: حكمنا عليه بالموت ، ولكن لا يجوز لنا أن نقتل أحدا . التمسوا من بيلاطس أن يصدق قولهم بأن المسيح مجرم فينفذ حكمهم وهم يتحملون مسؤولية ذلك .لم يكن بيلاطس قاضيا عادلا أو رجلا حي الضمير . ولكن مع ضعف خلقه الأدبي فقد رفض إجابة هذا الطلب . إنه لا يقضي بالموت على يسوع حتى تثبت عليه تهمة. ML 686.2

وهنا وقع الكهنة في ورطة. لقد رأوا أنه ينبغي لهم إخفاء ريائهم تحت أسمك قناع .ينبغي ألا يسمحوا بإذاعة حقيقة كون المسيح قد قبض عليه لأسباب دينية . فلو قدم هذا كعلة للإدانة فلن يكون لإجراءاتهم أي وزن في نظر بيلاطس . ينبغي لهم أن يصوروا يسوع على أنه يعمل ضد القانون العام ، وفي هذه الحالة يمكن إدانته على إنه مجرم سياسي . كانت الفتن والثورات تقوم بين اليهود ضد الحكم الروماني بلا انقطاع . وكان الرومان يقمعون تلك الثورات بكل صرامة و قسوة ، وكانوا أبدا يقظين ليقضوا على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى قيام الثورات. ML 686.3

قبل هذا بأيام قليلة فقط حاول الفريسيون أن يوقعوا المسيح في الفخ إذ سألوه قائلين: “ أيجوز لنا أن تعطي جزية لقيصر أم لا؟” ولكن المسيح كشف الستار عن نفاقهم. والرومان الذين كانوا حاضرين حينئذ رأوا خيبة أولئك المتآمرين وهزيمتهم المنكرة عندما أجابهم المسيح بقوله: “أعطوا إذاً ما للقيصر للقيصر وما لله لله” (لوقا 20 : 22 و 25). ML 686.4

فالآن ها هم الكهنة يظنون أنهم في تلك الحادثة يستطيعون أن يجعلوا الناس يصدقون أن المسيح علم بما أرادوه هم أن يعلم به. ففي كربهم الشديد طلبوا من بعض شهود الزور أن يشهدوا ضده قائلين: “وجدنا هذا يفسد الأمة، ويمنع أن تعطى جزية للقيصر، قائلاً: “إنه هو مسيح ملك” (لوقا 23 : 3). هذه ثلاث تهم لا أساس لها من الصحة . لقد عرف الكهنة هذا ولكنهم كانوا مستعدين لأن يشهدوا زورا للوصول إلى غرضهم. ML 686.5

أدرك بيلاطس غرضهم فلم يصدق إن هذا الأسير تآمر ضد الحكومة. إن منظره الدال على الوداعة والطهارة لا يمكن أن يتفق مع تلك التهمة بأي حال ، وكان بيلاطس مقتنعا بأن هنالك مؤامرة هائلة لإهلاك إنسان بريء اعترض طريق أولئك الرؤساء . فالتفت إلى يسوع وسأله قائلاً: “أنت ملك اليهود؟ فأجابه وقال: “أنت تقول” (لوقا 23 : 3)، وغإذا بشعاع براق يندفع من محياه فيضيء مثل نور الشمس. ML 687.1