مشتهى الأجيال
سلام وسط هياج الأمواج
عندما سمعوا هذا الجواب أشهد قيافا ومن معه بيلاطس على أن يسوع اعترف بصدق التهمة التي وجهوها إليه. فجعل الكهنة والكتبة والرؤساء يصرخون صرخات عالية طالبين منه الحكم على يسوع بالموت . ولقد ردد الرعاع تلك الصرخات وكان صوت الجلبة يصم الآذان ، فتحير بيلاطس . وإذ رأى أن يسوع لا يدفع تلك التهم عن نفسه قال له: “أما تجيب بشيء؟ أنظر كم يشهدون عليك! فلم يجب يسوع أيضاً بشيء” (مرقس 15 : 4 و 5). ML 687.2
فإذ كان يسوع واقفا خلف بيلاطس وهو يرى كل من في الدار سمع كل الشتائم ، ولكنه لم يجب بكلمة على كل تلك التهم . كانت هيئته تبرهن على إحساسه ببراءته . وقف ثابتا أمام هياج الأمواج التي كانت تصطخب من حوله . وقد بدا وكأن أمواج الغضب التي كانت تعلو وترتفع كأمواج المحيط الصاخبة جعلت تهدر من حوله ولكنها لم تمسه . وقف صامتا ولكن صمته كان أبلغ من كل كلام . كان كنور يشع من إنسانه الداخل إلى إنسانه الخارج. ML 687.3
أدهشت طلعته بيلاطس فجعل يسائل قائلا: هل هذا الرجل لا يكترث لهذه الإجراءات لأنه لا يهتم بإنقاذ حياته ؟ وإذ نظر إلى يسوع وهو يتحمل الإهانات والسخرية دون أن يفكر في الثأر لنفسه أحس بأنه لا يمكن أن يكون إنسانا آثما أو ظالما كما كان الكهنة الصاخبون . فإذ كان يرجو أن يعلم الحقيقة منه ويتخلص من صخب الشعب أخذ بيلاطس يسوع جانبا وسأله ثانية: “أنت ملك اليهود؟”. ML 687.4
فلم يجبه يسوع مباشرة . لقد عرف أن الروح القدس كان يجاهد مع بيلاطس فأعطاه فرصة للاعتراف بما يعتقده . فقال له: “أمن ذاتك تقول هذا، أم آخرون قالوا لك عني؟” أي- هل هذه هي اتهامات الكهنة ، أم أن الرغبة في الحصول على النور مني هي التي ألهمتك بهذا السؤال ؟ فهم بيلاطس مرمى كلام المسيح ، ولكن الكبرياء قفزت إلى قلبه فلم يرد أن يعترف بالاقتناع الذي كان يلح عليه فقال: “ألعلي أنا يهودي؟ أمتّك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ. ماذا فعلت؟” (يوحنا 18 : 35). ML 688.1
ضاعت فرصة بيلاطس الذهبية . إلا أن يسوع لم يتركه دون أن يعطيه مزيدا من النور . ففي حين أنه لم يقدم جوابا مباشرا صريحا على سؤال بيلاطس فقد أوضح له رسالته ، وأفهم بيلاطس أنه لم يكن يطلب عرشا أرضيا. ML 688.2
قال له: “مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدّامي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس: أفأنت إذاً ملك؟ أجاب يسوع: أنت تقول: إني ملك. لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي” (يوحنا 18 : 36 و 37). ML 688.3
أكد المسيح أن كلمته هي في ذاتها مفتاح يفتح ويكشف السر لمن هم مستعدون لقبولها ، إذ فيها تكمن القوة الداعية لها ، وهذا هو سر انتشار ملكوت الحق . كان يطلب من بيلاطس أن يدرك أنه بواسطة قبول الحق وامتلاكه يمكن أن تتجدد الطبيعة الهالكة لا بأية وسيلة أخرى. ML 688.4