مشتهى الأجيال
الوعد لزكريا
ولكن الملاك حيّاه باليقين المفرح قائلاً: “لا تخف يا زكريا، لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابناً وتسمّيه يوحنّا. ويكون لك فرحاً وابتهاج، وكثيرون سيفرحون بولادته، لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدّم أمامه بروح إيليا وقوته، ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر الأبرار، لكي يهيّئ للرب شعباً مستعداً. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا، لأني أنا شيخ وامرأتي متقدّمة في أيامها؟” (لوقا 1 : 13 — 18). ML 78.4
إن زكريا كان يعرف جيدا كيف ولد لإبراهيم ابن في شيخوخته لأنه آمن أن الذي وعد هو أمين. ولكن لمدة لحظة تتجه أفكار هذا الكاهن الشيخ إلى ضعف البشرية فينسى أن الله لابد أن يتمم ما قد وعد به . ما كان أعظم الفرق بين عدم الإيمان هذا وبين ذلك الإيمان الحلو الشبيه بإيمان الأطفال الذي أظهرته مريم عذراء الناصرة التي أجابت على إعلان الملاك العجيب بقولها: “هوذَا أَنا أَمةُ الربِّ . لِيكُن لِي كَقولِك” (لوقا 1 : 38) إن ولادة ابن لزكريا كولادة ابن لإبراهيم وابن مريم ، كانت لتعلم درسا روحيا عظيما ، درسا نحن متباطئون في تعلمه وسرعان ما ننساه . إننا في ذواتنا عاجزون عن عمل أي صلاح ، ولكن ما لا نستطيعه نحن سيتحقق بقوة الله لكل نفس خاضعة مؤمنة . لقد أعطي ابن الموعد بالإيمان: وبالإيمان تولد الحياة الروحية وبه نستطيع أن نعمل أعمال البر. ML 79.1
أجاب الملاك على تساؤل زكريا بقوله: “أَنا جِبرائِيلُ اْلواقفُ قُدامَ اللهِ ، وَأُرْسْلتُ لأُكَلِّمك وَأُبشِّركَ بِهَذا” (لوقا 1 : 11). قبل ذلك بخمس مئة سنة كشف جبرائيل لدانيال عن المدة النبوية التي كانت ستمتد إلى مجيء المسيح . وإن معرفة زكريا بقرب نهاية تلك المدة حرك قلبه ليصلي طالبا مجيء مسيا . إن نفس ذلك الرسول الذي بواسطته أعطيت تلك النبوة قد أتى الآن ليعلن إتمامها. ML 79.2
ثم إن قول الملاك “أَنا جِبرائِيلُ اْلواقفُ قُدامَ اللهِ” يدل على أن له مركزا رفيعا ومقاما ممتازا في السماء . وعندما أتى هو نفسه برسالة إلى دانيال قال: “ولا أَحد يَتمسك معي عَلى هؤُلاَءِ إِلاَّ ميخائِيلُ(المسيح) 1 رَئِيسكُم” (دانيال 10 : 21). أما عن جبرائيل فالمخلص يقول: “وبيّنه مرسلاً بيد ملاكه لعبده يوحنّا” (رؤيا 1 : 1). والملاك يعلن ليوحنا قائلاً: “أني عبد معك ومع إخوتك الأنبياء” (رؤيا 22 : 9). هذا فكر مدهش — إن الملاك الذي يقف في المرتبة الثانية بعد ابن الله هو الشخص المختار ليكشف للناس الخطاة عن مقاصد الله. ML 79.3