مشتهى الأجيال
كفء في نظر نفسه
كانت ليهوذا مكانة مرموقة بين التلاميذ وكان له عليهم تأثير عظيم. وكان يهنئ نفسه على مواهبه الفذة ويعتبر أخوته أدنى منه بما لا يقاس في أصالة الرأي والمواهب . وكان يفكر قائلا إنهم لا يرون الفرص السانحة المقدمة لهم ولذلك فهم لا يستفيدون منها . إن الكنيسة لا يمكنها أن تنجح أو تتقدم وفيها أمثال هؤلاء القادة القصيري النظر . إن بطرس رجل متهور ، فهو يتحرك ويعمل بدون تفكر ، أما يوحنا الذي كان يختزن في عقله وقلبه الحقائق التي كان المسيح ينطق بها فكان يهوذا يرى أنه لا يصلح لأن يكون رجلاً اقتصادياً . ومتى الذي علمته مهنته السابقة أن يكون دقيقا في كل شيء كان مدققا جداً في أمر الأمانة ، وكان دائم التفكير في أقوال المسيح وكان مشغولاً بها جدا حتى ، كما حكم عليه يهوذا ، لم يكن يوثق به للاضطلاع بعمل ناجح مستمر . وهكذا أجمل يهوذا التلاميذ كلهم ، وكان يهنئ نفسه بالقول أنه لولا خبرته في الإدارة والتدبير لوقعت الكنيسة في ورطة وارتباك مالي مرارا عديدة . فاعتبر يهوذا نفسه الشخص الكفء الذي لا يمكنه أن يخدع . ففي تقديره كان هو مفخرة عمل الرب ، وهكذا كان يصور نفسه دائما. ML 677.1
لكن يهوذا عمي عن ضعف خلقه. وقد أوجده المسيح في وضع خاص بحيث تكون له فرصة لأن يرى هذا الضعف ويصلحه . وكأمين صندوق للتلاميذ كان مطلوبا منه أن يدبر حاجات تلك الجماعة الصغيرة ويسد حاجات الفقراء . وعندما كان في العلية في عيد الفصح قال له يسوع: “ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة” (يوحنا 13 : 27)، فظن التلاميذ أن السيد أمره بأن يشتري ما يحتاجون إليه للعيد أو أن يعطي شيئا للفقراء. وإذ كان يهوذا يخدم الآخرين كان ينبغي أن يربي في نفسه روحا خالية من الأثرة . ولكن فيم ا كان يصغي كل يوم إلى تعاليم المسيح ويرى حياته التي لا أثر فيها للأنانية انغمس في ميوله للطمع . والمبالغ الضئيلة التي كانت تصل إلى يده كانت تجربة دائمة له . ومرارا عندما كان يقدم للمسيح خدمة صغيرة أو يكرس بعض وقته لأغراض دينية كان يبيح لنفسه أن يأخذ جزءا من ذلك القليل الذي كان في الصندوق أجرا له . وكانت تلك الأعذار كافية في نظره لتبرير عمله ، ولكنه في نظر الله كان سارقا ولصا. ML 677.2
كان يهوذا يستاء عندما كان المسيح يردد هذا المبدأ مرارا وهو أن ملكوته ليس من هذا العالم. وقد رسم في ذهنه خطة كان ينتظر أن المسيح سيسير عليها . لقد قرر أنه ينبغي إطلاق سراح يوحنا المعمدان بإخراجه من سجنه . ولكن ها هو يوحنا يظل سجينا إلى أن يقطع رأسه ، وها هو يسوع بدلا من أن يثبت حقه الملكي وينتقم لموت يوحنا يذهب مع تلاميذه ليعتكفوا في موضع خلاء . أما يهوذا فكان يريد إثارة حرب أشد عدوانا . وقد فكر أنه إذا كان يسوع لا يمنع تلاميذه من تنفيذ خططهم فالعمل لا بد أن ينجح . لاحظ يهوذا عداوة قادة اليهود المتزايدة للمسيح ورأى عدم مبالاة يسوع بهم عندما تحدوه طالبين منه آية من السماء . وقد أفسح في قلبه مجالا لعدم الإيمان فأدخل العدو إلى ذلك القلب كثيرا من أفكار الشك والتمرد . فكان يتساءل مثلا قائلا: لماذا يسهب المسيح كثيرا في الكلام عن الأمور المثبطة للهمم ؟ ولماذا يتنبأ عن وقوع التجارب عليه وعلى تلاميذه ؟ إن أمل يهوذا في أن يكون له مركز سام في الملكوت الجديد ساقه إلى تأييد دعوى المسيح ، فهل تخيب آماله ؟ إن يهوذا لم يكن قد قرر بأن يسوع ليس ابن الله ولكنه كان يتساءل مرتابا ويحاول أن يجد تعليلا لمعجزاته. ML 678.1