مشتهى الأجيال
الفصل السادس والسبعون —تاريخ حياة خائن
إن تاريخ يهوذا يرينا الخاتمة المؤلمة لحياة كان يمكن أن تكون مكرمة من الله. لو كان يهوذا قد مات قبل الرحلة الأخيرة إلى أورشليم لاعتبر جديرا بمكانة بين الاثني عشر ، ولأحسوا بالخسارة عند موته . والمقت الذي ظل يلاحقه مدى أجيال التاريخ ما كان يكون له وجود لولا صفاته التي نضجت وظهرت على حقيقتها في نهاية تاريخه . ولكن كان هنالك غرض لأجله انكشفت أخلاقه للعالم ، فلقد صار إنذارا لكل من تسول لهم أنفسهم أن يخونوا الأمانة المقدسة المسلمة لهم . ML 676.1
قبل الفصح بقليل جدد يهوذا اتفاقه مع الكهنة على أن يسلم يسوع إلى أيديهم ، وتم الاتفاق على أن يقبض على المخلص في أحد المعتكفات التي كان يتردد عليها للتأمل والصلاة. ومنذ أقيمت الوليمة في بيت سمعان كانت لدى يهوذا فرصة للتأمل في الدور الذي تعهد أن يقوم به ، ولكنه لم يغير رأيه . فبثلاثين من الفضة- التي هي ثمن عبد- باعرب المجد للعار والموت. ML 676.2
كان يهوذا محبا للمال بطبعه ، ولكنه لم يكن دائما فاسدا إلى حد القيام بمثل هذا العمل. لقد ظل محتضنا تلك الروح الشريرة ، روح الجشع حتى غدت الدافع المسيطر على حياته. فلقد طغت محبته للمال على محبته للمسيح . فلما صار عبدا لرذيلة واحدة سلم نفسه للشيطان لينساق في تيار الخطية إلى أبعد مدى. ML 676.3
انضم يهوذا إلى التلاميذ عندما كانت تتبع المسيح جموع كثيرة ، حيث حركت تعاليم المسيح قلوبهم وذهلوا من كلامه الذي نطق به في المجمع أو على شاطئ البحر أو من فوق الجبل. وقد رأى يهوذا العرج والعمى والمرضى يتقاطرون على يسوع من القرى والمدن . رأى المحتضرين عند قدميه . ورأى قوات المخلص ومعجزاته لشفاء المرضى وإخراج الشياطين وإقامة الموتى . فأحس هو في نفسه ببرهان قوة المسيح . كما لاحظ أن تعاليم المسيح تفوق كل ما سبق أن سمعه . فأحب المعلم العظيم واشتاق إلى أن يكون معه. وأحس بالرغبة في أن تتغير أخلاقه وحياته وكان يرجو أن يختبر هذا التغيير عن طريق ارتباطه بيسوع . ولم يرده المخلص ، بل أعطاه مكانا بين التلاميذ الاثني عشر ، ووكل إليه عمل المبشر وأعطاه سلطانا لشفاء المرضى وإخراج الشياطين . ولكن يهوذا لم يصل إلى حد تسليم نفسه للمسيح تسليماً كاملاً . فلم يطرد عن نفسه حب المال أو الأطماع الدنيوية . ومع أنه قبل أن يكون في مركز خادم المسيح لم يخضع نفسه للتأثيرات الإلهية ليصوغه الرب كما يريد . وقد أحس أن بإمكانه الاحتفاظ بحكمه وآرائه الخاصة ، فربى في نفسه ميلا للانتقاد والاتهام. ML 676.4