مشتهى الأجيال
الديك الذي صاح
بعدما ترك التلاميذ معلمهم في البستان وهربوا تجرأ اثنان منهم على اتباع الرعاع الذين قبضوا على يسوع ، ولكن من بعيد . كان ذانك التلميذان هما بطرس ويوحنا . وقد عرف الكهنة يوحنا على أنه تلميذ معروف تمام المعرفة من تلاميذ يسوع فسمحوا له بالدخول إلى الدار على أمل أنه عندما يرى الإذلال الذي يعامل به سيده سيحتقر فكرة كونه ابن الله . ثم تكلم يوحنا لمصلحة بطرس فسمح له هو أيضا بالدخول. ML 670.2
وفي الدار كانوا قد أضرموا ناراً لأن تلك الساعة كانت أشد ساعات الليل برودة إذ كانت قبيل الفجر فالتف جماعة حول النار ، وبكل جرأة جلس بطرس معهم . ولم يكن يريد أن يعرف بأنه تلميذ ليسوع . فإذ يندمج في وسط ذلك الجمع في غير اكتراث كان يرجو أن يحسبه من حوله واحدا ممن أتوا بيسوع إلى تلك الدار. ML 670.3
ولكن عندما أشرق النور على وجه بطرس نظرت إليه المرأة البوابة نظرة فاحصة .وقد لاحظت أنه دخل مع يوحنا ورأت الكآبة مرتسمة على وجهه فرجحت أن يكون تلميذا ليسوع ، وحيث كانت إحدى جواري بيت قيافا تاقت إلى معرفة الحقيقة . فقالت لبطرس: “ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان؟” ففزع بطرس وارتبك إذ اتجهت إليه كل الأنظار على التو ، فتظاهر بأنه لم يفهم سؤالها . ولكنها كانت مصرة على كلامها ، وقالت لمن حولها إن هذا الرجل كان مع يسوع . فاضطر بطرس إلى أن يجيب قائلا للجارية بغضب: “لست أعرفه يا امرأة!” (يوحنا 18 : 17 ؛ لوقا 22 : 57). كان هذا أول إنكار، وللوقت صاح الديك . آه يا بطرس . أبهذه السرعة تستحي بمعلمك وتنكر سيدك ! ML 670.4
أما يوحنا فعند دخوله إلى دار المحاكمة لم يحاول إخفاء حقيقة كونه تابعا ليسوع ، ولم يختلط بأولئك الأجلاف الذين كانوا يشتمون معلمه . ولم يسأله أحد شيئا لأنه لم يدع أنه شخص آخر وألا لكان جعل نفسه هدفا للشكوك ، إذ اعتزل في مكان منعزل بعيداً عن الرعاع لكي يكون قريبا من سيده ما أمكن . ففي مثل ذلك المكان يستطيع أن يرى ويسمع كل ما يحدث عند محاكمة سيده. ML 671.1
لكن بطرس لم يكن يريد أن أحداً يعرفه على حقيقته . وإذ تظاهر بعدم الاكتراث أقحم نفسه على أرض العدو فصار فريسة سهلة المنال للتجربة . لو دعي ليحارب عن سيده لبرهن على أنه جندي شجاع . ولكن عندما أشار إليه إصبع السخرية والاحتقار برهن على جبنه . إن كثيرين ممن لا ترهبهم الحرب الحامية الوطيس دفاعا عن سيدهم تدفعهم السخرية إلى إنكار إيمانهم . فإذ يعاشرون الناس الذين كان يجب أن يتجنبوهم يضعون أنفسهم في طريق التجربة . وهم بهذا يدعون العدو ليجربهم ، وهذا يسوقهم إلى أن يقولوا أو يفعلوا ما لا يمكن أن يرتكبوه في ظروف أخرى . إن أي تلميذ للمسيح يخفي إيمانه في أيامنا هذه خوفا من الآلام والعار إنما ينكر سيده كما فعل بطرس في ليلة محاكمة سيده. ML 671.2
حاول بطرس أن يخفي اهتمامه بمحاكمة سيده ، ولكن قلبه كان يتعذب حزنا وهو يسمع التعييرات ويرى الإهانات تكال للفادي . وأكثر من هذا فقد كان مندهشا وغاضبا لأن يسوع أهان نفسه وتلاميذه باستسلامه لتلك المعاملة . فلكي يخفي مشاعره الحقيقية حاول الاشتراك مع مضطهدي يسوع في سخريتهم اللاذعة . ولكن مظهره كان غير طبيعي . لقد كان يمثل أكذوبة خطرة . وفيما كان يحاول أن يتكلم في غير اهتمام لم يستطع أن يمنع نفسه من التعبير عن غضبه عندما رأى الإهانات تنهال على سيده. ML 671.3
التفت الناس إليه للمرة الثانية فاتهم مرة أخرى بكونه من تلاميذ يسوع فأنكر بقسم قائلاً: “لست أعرف الرجل!” (متى 26 : 72). وبعد ذلك قدمت له فرص أخرى . فبعد ساعة عندما سأله أحد عبيد رئيس الكهنة الذي قطع بطرس أذنه قائلا: “أما رأيتك أنا معه في البستان؟” “حقاً أنت منهم، لأنك جليلي أيضاً ولغتك تشبه لغتهم!” (يوحنا 18 : 26 ؛ مرقس 14 : 70). وهنا اهتاج بطرس وثارت نفسه . لقد اشتهر تلاميذ يسوع بطهارة ألسنتهم ولغتهم المهذبة . فلكي يمعن بطرس في خداع سائليه ولكي يزكي ادعاءه بأنه شخص آخر أنكر سيده بقسم ولعن ، وهنا صاح الديك مرة أخرى ، حينئذ سمع بطرس صياح الديك فتذكر كلام يسوع الذي قاله له: “قبل أن يصيح الديك مرتين، تنكرني ثلاث مرات” (مرقس 14 : 30). ML 672.1