مشتهى الأجيال
بطرس المتهالك ندما
ففيما كانت الأقسام المهينة على شفتي بطرس وصياح الديك لا يزال يرن في أذنيه تحول المخلص عن قضاته العابسين وحدق بنظره إلى تلميذه المسكين. وفي نفس الوقت التقت عينا بطرس بعيني سيده . ففي ذلك المحيا الرقيق قرأ بطرس آيات العطف والحزن، ولكن لم يكن هنالك أثر للغضب. ML 672.2
إن منظر ذلك الوجه الشاحب المتألم وتينك الشفتين المرتعشتين ونظرة الإشفاق والغفران طعنت قلب بطرس كسهم حاد. فثار ضميره ونشطت ذاكرته . ذكر بطرس وعده لسيده منذ ساعات قليلة بأنه مستعد لأن يذهب معه إلى السجن وإلى الموت ، كما ذكر حزنه عندما قال له المخلص وهم مجتمعون معا في العلية بأنه سينكره ثلاث مرات في نفس هذه الليلة . وها هو بطرس يعلن الآن أنه لا يعرف يسوع . وقد تأكد له الآن وإن يكن بحزن عميق أن سيده كان يعرفه جيدا ويعرف قلبه معرفة دقيقة ، ذلك القلب الخادع الذي كان يجهله بطرس نفسه. ML 672.3
جاءته الذكريات متلاحقة بعد ذلك. فرأفة المخلص ورحمته وطول أناته ورقته وصبره على تلميذه المخطئ - كل هذا عاد فتذكره ، كما ذكر إنذار المخلص له عندما خاطبه قائلاً: “سمعان، سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة! ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك” (لوقا 22 : 31 و 32). فبرعب شديد تفكر في جحوده وكذبه وأقسامه الباطلة. ثم نظر إلى معلمه مرة أخرى فرأى يدا نجسة معتدية تمتد لتلطمه على وجهه . فإذ لم يتمكن من احتمال ذلك المنظر اندفع خارجا من ذلك الدار منكسر القلب. ML 672.4
تقدم سائراً وحده في الظلام ولم يعرف ولا اهتم بأن يعرف إلى أين هو ذاهب. أخيراً وجد نفسه في جثسيماني . وقد عاد إلى ذهنه المنظر الذي حدث منذ ساعات قليلة واضحا . فوجه سيده المتألم والملطخ بالعرق الذي نضح من جبينه كقطرات دم ، والذي كان يرتعش من فرط الألم كان ماثلا أمامه . وذكر بفرط الندم أن يسوع قد بكى وتألم في الصلاة وحده بينما أولئك الذين كان يجب أن يشاركوه في تلك الساعة القاسية كانوا نياماً. وذكر أيضا وصيته المقدسة حين قال لهم: “ اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في التجربة” (متى 26: 41). ثم عاد إلى ذهنه المشهد الذي حدث في دار رئيس الكهنة . وقد تعذب قلبه الدامي حين علم أنه وضع على كاهل المخلص اثقل عبء فوق الإذلال والحزن الذي كان يعانيه . ففي نفس البقعة التي سكب فيها يسوع نفسه أمام الآب في حزن شديد سقط بطرس على وجهه وتمنى الموت لنفسه. ML 673.1
إن بطرس إذ نام في الوقت الذي فيه أوصاه معلمه أن يسهر ويصلي كان قد أعد الطريق لخطيته الهائلة. وإذ نام كل التلاميذ في تلك الساعة الحرجة خسروا خسارة فادحة . لقد عرف المسيح البلوى المحرقة التي كانوا مزمعين أن يجوزوا فيها ، وعرف أيضا كيف سيعمل الشيطان على تخدير حواسهم حتى لا يتأهبوا لتك المحنة ، و لهذا السبب أنذرهم . فلو كان بطرس قد قضى الساعات التي مرت عليه في البستان ساهرا مصلياً ، لما ترك ليستند على قوته الواهنة ولما أنكر سيده . لو كان التلاميذ سهروا مع المسيح وهو في أشد حالات الحزن والألم لكانوا تأهبوا لمشاهدة آلامه على الصليب . وكانوا قد فهموا ، إلى حد ما ، طبيعة عذاباته الرهيبة ، وكانوا استطاعوا أن يذكروا أقواله التي أنبأت عن آلامه وموته وقيامته . وفي وسط الظلمة الداجية ، ظلمة أقسى ساعة ، كان يمكن لأنوار الرجاء أن تبدد ظلمة يأس التلاميذ وتسند إيمانهم. ML 673.2