مشتهى الأجيال

590/684

الثوب الذي مزق

إن التبكيت الممزوج بالغضب هو الذي قاد قيافا إلى فعل ما قد فعل . كان يتميز غيظا على نفسه لكونه قد صدق أقوال المسيح ، وبدلا من أن يمزق قلبه لشعوره العميق بالحق والاعتراف بأن يسوع هو مسيا ، مزق رداءه الكهنوتي وهو مصر على المقاومة . كان لهذا التصرف دلالته العميقة ، ولم يكن قيافا يفهم كنه معناه . ففي هذا العمل الذي عمله ليؤثر به على القضاة ويحصل منهم على حكم بإدانة المسيح دان رئيس الكهنة نفسه .وبموجب شريعة الله لم يكن أهلا للكهنوت . لقد حكم على نفسه بالموت. ML 668.1

لقد كان محظوراً على رئيس الكهنة أن يمزق ثيابه . وبموجب الناموس اللاوي كان ذلك العمل محرماً تحت حكم الموت . لم يكن يسمح لرئيس الكهنة أن يمزق ثيابه في أية ظروف ولا لأي اعتبار . كانت العادة عند اليهود أن يمزقوا ثيابهم عند موت صديق عزيز. ولكن الكهنة لم يكن يسري عليهم هذا العرف . وإننا نجد في لاويين (10 : 6) أمراً صريحاً واضحاً من المسيح بهذا الشأن. ML 668.2

كل ما كان يلبسه الكاهن كان يجب أن يكون سليما وبلا عيب ، فتلك الثياب الرسمية الجميلة كانت رمزا لصفة المرموز إليه العظيم يسوع المسيح . لم يكن يقبل أمام الله غير الكمال التام في اللبس والهيئة والكلام والروح . إنه قدوس فينبغي أن يظهر مجده وكماله في الخدمة الأرضية . ولا شيء غير الكمال يمكن أن يمثل قداسة الخدمة السماوية أصدق تمثيل . يمكن للإنسان المحدود أن يمزق قلبه بكونه يبدي روح التواضع والانسحاق .هذا الإنسان يراه الله ويميزه . ولكن ثياب الكهنوت لا يجوز تمزيقها لأن هذا يشوه صورة السماويات . إن رئيس الكهنة الذي كان يتجرأ على الظهور في الخدمة المقدسة والاشتراك في خدمة المقدس وهو في ثيابه الممزقة كان ينظر إلهيه كمن قد بتر نفسه من الله . فبتمزيق ثيابه كان يقطع نفسه ويحرمها من أن تكون شخصية نائبة (رمزية) ، ولا يعود الله يقبله ككاهن قائم بالخدمة . إن هذا التصرف من قبل قيافا أظهر غضب الإنسان ونقصه على حقيقتهما. ML 668.3

إن قيافا إذ مزق ثيابه أبطل شريعة الله لكي يتبع تقاليد الناس . فالشريعة التي وضعها الناس اشترطت أنه في حالة التجديف يمكن للكاهن أن يمزق ثيابه رعبا من تلك الخطية ويكون مع ذلك بريئاً ، وهكذا أبطلت شريعة الله بواسطة وصايا الناس. ML 669.1

كان الشعب بكل اهتمام يراقبون تصرفات رئيس الكهنة . وقد فكر قيافا في أن يباهي بتقواه ، ولكنه بهذا العمل الذي كان يرمي من ورائه إلى اتهام المسيح كان يشتم ذاك الذي قال الله عنه: “اسمي فيه” (خروج 23 : 21). لقد كان هو نفسه يجدف . وإذ كان واقعاً تحت دينونة الله حكم على المسيح بأنه مجدف. ML 669.2

وعندما مزق قيافا ثيابه كان عمله يدل على الوضع الذي كان على الأمة اليهودية كأمة أن تشغله حيال الله بعد ذاك . فذلك الشعب الذي كان قبلا محبوبا من الله بدأوا يفصلون أنفسهم عنه ، وكانوا يتخذون خطوات سريعة في الانفصال عن الله . وعندما صرخ المسيح وهو على الصليب قائلا “قد أكمل” (يوحنا 19 : 30). وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين أعلن الساهر القدوس أن الأمة اليهودية قد رفضت ذاك الذي كانت كل رموزهم تشير إليه وخلاصة كل تلك الرموز . لقد طلق إسرائيل من الله وانفصل عنه . إذاً فنعما فعل قيافا بتمزيق ثيابه الرسمية التي كانت تدل حينئذ على أنه يمثل رئيس الكهنة الأعظم ، لأن تلك الثياب ما عاد لها أي معنى ، لا له ولا للشعب . حسنا فعل رئيس الكهنة بتمزيق ثيابه من فرط الرعب على نفسه وعلى الأمة. ML 669.3