مشتهى الأجيال
“أنت قلت”
أخيرا رفع قيافا يمناه إلى السماء وخاطب المسيح في هيئة قسم مقدس قائلا له: “أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟” (متى 26 : 63). ML 666.3
فأمام هذا الاستشهاد لم يستطع المسيح أن يظل صامتا . كان هنالك وقت للسكوت ووقت للكلام . إنه لم يتكلم حتى وجه إليه سؤال مباشر . عرف أن إجابته الآن ستجعل موته أمراً محتوماً ، ولكن وجه إليه هذا الاستشهاد من أعلى سلطة معترف بها من الأمة وباسم الله العلي . إن المسيح لم يقصر في إظهار الاحترام اللائق بالناموس . وأكثر من هذا فإن صلته بالآب كانت مثار التساؤل . فعليه أن يعلن بكل وضوح صفته ورسالته . لقد قال يسوع لتلاميذه: “فكل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضاً به قدام أبي الذي في السماوات” (متى 10 : 32). وها هو الآن بمثاله يكرر الدرس. ML 666.4
أصاخ كل إنسان بأذنيه ليسمع ، وثبت الجميع عيونهم في وجه يسوع عندما أجاب قائلا: “أنت قلت! ”. وقد بدا وكأن نورا من السماء قد أضاء وجهه الشاحب عندما أردف قائلا: “وأيضاً أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء” (متى 26 : 62). ML 667.1
ولمدى لحظة سطعت ألوهية المسيح في ثوب بشريته ، وقد جبن رئيس الكهنة وارتعب أمام عيني المخلص الفاحصتين . وبدا وكأن تلك النظرة قد كشفت أفكاره الخفية وأحرقت قلبه . ولم ينس إلى نهاية حياته تلك النظرة الفاحصة التي وجهها إلى قلبه ابن الله المضطهد المظلوم . ML 667.2
قال يسوع: “من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء”. وبهذه الكلمات عرض المسيح منظراً آخر هو عكس المنظر الذي كان يرى في ذلك المكان . فإذ هو رب الحياة والمجد سيجلس عن يمين الله وسيكون ديان كل الأرض ، ولا مرد لحكمه ولا يستأنف ضده . وحينئذ ستكشف كل الأسرار في نور وجه الله وسيحكم على كل إنسان كما يكون عمله . ML 667.3
إن كلام المسيح هذا أفزع رئيس الكهنة . فالفكر بأنه ستكون قيامة للأموات عندما يقف الجميع أمام عرش دينونة الله ليجازوا حسب أعمالهم ، كان فكرا مفزعا ومرعبا لقيافا . لم يرد أن يصدق بأنه في المستقبل سيحكم عليه حسب أعماله . لقد مرت أمام عينيه كما لو كانت شريطاً سينمائياً مشاهد الدينونة الأخيرة . ولمدى لحظة أبصر ذلك المنظر المخيف منظر القبور وهي تسلم موتاها ، كما انكشفت الأسرار التي كان هو يرجو أنها ستظل إلى الأبد طي الخفاء ، ولمدى لحظة أحس كأنه أمام الديان السرمدي الذي عينه المطلعة على كل شيء تقرأ ما في أعماق نفسه ، وتكشف للنور أسراراً كان يظن أنها ستظل مدفونة مع أصحابها . ML 667.4
ذلك المنظر غاب عن ذهن رئيس الكهنة وقلبه ، ولكن كلام المسيح كان قد نفذ إلى قلب ذلك الصدوقي . لقد أنكر قيافا عقيدة قيامة الأموات والدينونة والحياة العتيدة . أما الآن فقد أصيب بجنون الغضب الشيطاني . فهل هذا الأسير الماثل أمامه يجرؤ على مهاجمة نظرياته التي يعتز بها ويحبها أعمق حب ؟ فإذ مزق ثيابه كي يرى الناس رعبه المصطنع أمر بإدانة هذا الأسير على تجديفه بدون مقدمات ثم قال: “ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه!” فجميعهم إذ ذاك أدانوه (متى 26 : 65 و 66). ML 667.5