مشتهى الأجيال
مثل قصبة مرضوضة محنية
ومرة أخرى حل بابن الله ألم فوق طاقة البشر . فإذ كان خائرا ومنهوكا سار متعثرا إلى مكان صراعه الأول . بل قد زادت آلامه عما كانت . فإذ هجمت عليه الآلام النفسية وكان في جهاد شديد “صار عرقة كقطرات دم نازلة على الأرض” (لوقا 22 : 44). إن أشجار السرو والنخل كانت هي الشهود الصامتة لآلامه وعذاباته . ومن بين أغصانها وأوراقها سقطت بعض قطرات الندى الثقيلة على جسمه المحطم ، كما لو أن الطبيعة كانت تبكي على خالقها الذي كان صارع قوات الظلمة وحده. ML 653.3
قبل ذلك بقليل وقف يسوع كشجرة أرز قوية لا تتزعزع أمام عواصف المقاومة التي هاجمته بكل قوتها وهياجها . لقد حاول الناس ذوو الإرادة العنيدة والقلوب المفعمة بالمكر والدهاء أن يربكوه أو يقهروه ولكن محاولاتهم باءت بالفشل . فوقف بجلاله الإلهي بوصفه ابن الله أما الآن فكان يشبه قصبة مرضوضة قد التوت أمام عاصفة هوجاء. لقد اقترب من ختام عمله منتصرا ، وفي كل خطوة كان يحرز انتصارا على قوات الظلام . وكمن قد تمجد فعلا قال إنه واحد مع الله . وبكلام ثابت لا أثر فيه للتردد أو التلعثم تغنى بأغاني الحمد . وكان يحدث تلاميذه بكل شجاعة ورقة . أما الآن فقد أتت ساعة سلطان الظلمة ،الآن يسمع صوته في سكون الليل وليست فيه نغمة انتصار بل كان مفعما بالآلام البشرية. وقد سمعت آذان التلاميذ الناعسين كلام المخلص حين قال: “يا أبتاه، إن لم يمكن أن تعبر عنّي هذه الكأس إلا أن أشربها، فتكن مشيئتك” (متى 26 : 42). ML 653.4
كان أول خاطر خطر للتلاميذ هو أن يذهبوا إلى سيدهم ، ولكنه كان قد أمرهم أن يلبثوا في مكانهم ساهرين ومصلين. وعندما جاء إليهم يسوع وجدهم لا يزالون يغطون في نومهم . ومرة أخرى أحس الفادي بحاجته إلى صحبة الأصدقاء ، وإلى بعض كلمات يقولها له تلاميذه فتجلب إليه الراحة وتقشع عن نفسه غياهب الظلمة التي كانت تكتنفه وكادت تنتصر عليه . ولكن أعينهم كانت ثقيلة: “فلم يعملوا بماذا يجيبونه” (مرقس 14 : 40). ثم أيقظهم حضوره فرأوا وجهه وإذا عليه آثار العرق الدموي من أثر العذاب والجهاد فامتلأوا خوفا ، ولم يستطيعوا أن يسبروا غور آلامه النفسية . “ كان منظره كذا مفسداً أكثر من الرجل، وصورته أكثر من بني آدم” (إشعياء 52: 14). ML 654.1