مشتهى الأجيال
التماسات تصد
كان صبر يسوع وطول أناته عجيبين وهو يتعامل مع هذه النفس المجرمة. لقد عمل كل ما كان يمكن عمله لخلاص يهوذا ، فبعدما تآمر مرتين مع الأعداء لتسليم سيده أعطاه يسوع فرصة أخرى للتوبة . فإذ عرف المسيح الغرض الخفي الذي كان يضمره ذلك الخائن في قلبه قدم له الدليل الأخير المقنع على ألوهيته . وكان هذا بالنسبة إلي ذلك التلميذ الخائن آخر دعوة للتوبة . إن قلب المسيح البشري الإلهي لم يضن بأية دعوة أو وسيلة كان يمكنه أن يقدمها . فأمواج الرحمة التي صدتها صخرة الكبرياء العنيدة عادت بأمواج المحبة القوية الغالبة . ولكن مع أن يهوذا ذهل وفزع عندما اكتشفت جريمته فقد زاد إصرارا على إصراره . فمن على مائدة العشاء الرباني خرج ليستكمل إجراءات التسليم. ML 624.3
إن المسيح إذ نطق بالويل على يهوذا كانت له مقاصد رحيمة نحو تلاميذه. لقد أعطاهم بذلك آخر برهان على كونه مسيا . فقد قال: “أقول لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو” (يوحنا 13 : 19). فلو بقي يسوع صامتا متظاهرا بأنه يجهل ما سيأتي عليه ربما كان تلاميذه يظنون أن معلمهم ليست له البصيرة الإلهية التي ترى ما في الخفاء ، وكانوا قد أخذوا على غرة وأسلموا بين أيدي الدهماء المتعطشين لسفك الدماء . كان يسوع قد قال لتلاميذه قبل ذلك بسنة إنه قد اختارهم الاثني عشر وواحد منهم شيطان . والآن فها الكلام الذي قاله ليهوذا الذي به برهن على أن معلمه عالم تمام العلم بخيانته يقوي إيمان تابعي المسيح الحقيقيين في أثناء اتضاعه . وعندما تجيء نهاية يهوذا المخيفة المحتومة فسيذكرون الويل الذي نطق به يسوع على مسلمه. ML 624.4
كان للمخلص غرض آخر ، فهو لم يجرد من الخدمة ذاك الذي عرف أنه خائن. إن التلاميذ لم يفهموا كلام معلمهم حين قال لهم: “وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم”، ولا حتى عندما أعلن وهو على المائدة قائلا: “الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه” (يوحنا 13 : 11 و 18). ومن بعد ذلك لما وضح لهم معنى كلام المسيح جعلوا يفكرون في صبر الله ورحمته نحو ذاك الذي ارتكب أشنع وأرهب خطية. ML 625.1
مع أن يسوع كان قد عرف يهوذا من البدء فقد غسل رجليه. وكان لذلك الخائن امتياز مشاركة المسيح في الفريضة المقدسة . لقد استخدم المخلص الطويل الأناة كل وسيلة لاجتذاب ذلك الخاطئ ليقبله وليتوب ويتطهر من نجاسات خطيته . وفي هذا كله هو مثال لنا . فعندما نرى إنسانا واقعا في خطية يجب ألا نعتزل عنه ، فلا نتركه أو نعزل نفسنا عنه في غير اكتراث لئلا يصير فريسة للتجربة ، ولا نطرده لينضم إلي حزب الشيطان . هذه ليست إرادة المسيح . فلأن التلاميذ كانوا مذنبين ومخطئين غسل السيد أرجلهم . وبهذه الكيفية أقبل الاثنا عشر إلي التوبة فيما عدا واحدا فقط. ML 625.2