مشتهى الأجيال

550/684

خائن في وسطهم

كان يهوذا الخائن حاضرا عند ممارسة فريضة عشاء الرب . وقد تناول من يسوع رمزي جسده المكسور ودمه المسفوك ، وسمع قول السيد: “اصنعوا هذا لذكري” (لوقا 22 : 19). وإذ كان جالسا هناك في نفس محضر حمل الله جعل ذلك الخائن يتأمل في نواياه المظلمة الخبيثة ، وقد احتضن أفكاره الانتقامية المشؤومة. ML 622.3

وعند غسل الأرجل قدم يسوع الدليل المقنع على علمه ومعرفته لصفات يهوذا ونوايا قلبه . فلقد قال: “وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم” (يوحنا 13 : 11). كان هذا القول كافيا لإقناع ذلك التلميذ الكاذب بأن المسيح كان عالما بنواياه الخفية . ثم هاهو المسيح يتكلم بصراحة أعظم . فإذ كانوا جالسين إلي المائدة نظر المسيح إلي تلاميذه وقال: “لست أقول عن جميعكم. أنا أعلم الذين اخترتهم. لكن ليتم الكتاب: الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه” (يوحنا 13 : 18). ML 622.4

ولكن حتى الآن لم يشك التلاميذ في يهوذا إلا أنهم رأوا المسيح مضطربا جدا . وقد غشيتهم جميعا سحابة حزن وإحساس سابق بوقوع كارثة مخيفة لم يكونوا يعرفون نوعها . ML 623.1

وفيما كانوا يأكلون صامتين قال يسوع: “الحق الحق أقول لكم: إن واحداً منكم سيسلمني!” (يوحنا 13 : 21). فإذ سمعوا هذا الكلام شملهم الذهول والرعب . لم يستطيعوا أن يدركوا كيف أن أي واحد منهم يعامل معلمهم الإلهي بمثل هذا الغدر . فلأي سبب يسلمونه ؟ ولمن يسلمونه ؟ ومن ذا الذي يمكن أن يضمر في قلبه تلك النية الشريرة ؟ لا يمكن أن يكون ذلك الإنسان واحدا من الاثني عشر الذين اصطفاهم واختصهم فوق كل من سواهم بامتياز الاستماع إلي تعاليمه ، والذين كان لهم نصيب من محبته العجيبة وقد خصهم باهتمامه العظيم إذ أدخلهم إلى قدس الشركة الوثيقة معه ! ML 623.2

فلما تحققوا من فحوى كلامه وذكروا صدق أقواله تملكهم الخوف وبدأوا يشكون في نفوسهم . ثم جعلوا يفحصون قلوبهم ليروا هل كانوا قد سمعوا لفكر شرير ضد معلمهم بأن يقتحم عقولهم . وبانفعال حزن مؤلم مرير بدا الواحد منهم بعد الآخر يسأل قائلا: “قل أنا هو يا رب؟” (متى 26 : 22). أما يهوذا فبقي صامتا . وإذ كان يوحنا في أشد هم وكرب سأله قائلا: “يا سيد، من هو؟” (يوحنا 13 : 25). فأجابه يسوع بقوله: “الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني! إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلّم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد!” (متى 26 : 23 و 24). كان كل من التلاميذ قد تفحص وجه أخيه بدقة وهو يسأل السيد قائلا: “ها أنا هو يا رب؟” والآن فها صمت يهوذا يجتذب إليه أنظار الجميع . ففي وسط البلبلة التي أحدثتها كثرة الأسئلة وتعبيرات الدهشة لم يكن يهوذا قد سمع جواب يسوع عن سؤال يوحنا . أما الآن فلكي يدرأ عن نفسه نظرات التلاميذ المتفحصة سأل كما سألوا هم أيضا: “هل أنا هو يا سيدي؟” فأجابه يسوع بكل وقار: “أنت قلت” (متى 26 : 25). ML 623.3

فإذ شمل يهوذا ارتباك ودهشة بالغان لأن أمره قد فضح قام مسرعا تاركا ذلك المكان ، “ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة .. فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت. وكان ليلاً” (يوحنا 13 : 27 و 30). لقد كان الوقت ليلا على الخائن عندما ابتعد عن يسوع إلي الظلمة الخارجية. ML 624.1

قبلما خطا يهوذا هذه الخطوة لم يكن قد تجاوز منطقة إمكانية التوبة. ولكن عندما خرج من حضرة ربه وصحبة زملائه التلاميذ كان قد اتخذ الخطوة الحاسمة متجاوزا الحدود. ML 624.2