مشتهى الأجيال

522/684

في انتظار الآلام

إن رسالة أولئك اليونانيين التي ترمز إلى جمع الأمم إلى الحظيرة صورت أمام ذهن يسوع رسالته كلها . لقد مر أمام ذهنه عمل الفداء منذ الوقت الذي فيه وضع التدبير في السماء إلى ساعة الموت التي كانت قريبة جدا . وقد بدا وكأن سحابة غامقة تحيط بابن الله. فأحس بها أولئك القريبون منه- جلس مستغرقا في تفكيره . أخيرا قطع حبل الصمت بصوته الحزين وهو يقول: “الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول؟ أيها الآب نجّني من هذه الساعة؟ ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة” (يوحنا 12 : 27). إن المسيح بإحساسه السابق كان قد بدأ يشرب كأس المرارة . لقد انكمشت بشريته من هول ساعة الهجران والترك الرهيبة عندما تدل كل الظواهر على أن الله نفسه قد تركه ، وعندما يراه الجميع مصابا مضروبا من الله ومذلولا . وانكمش أيضاً أمام فكرة التشهير به أمام الناس ومعاملة اليهود له كمن هو شر المجرمين ، كذلك انكمش أمام الموت المشين المهين . وإن تطيره من هول الصراع بينه وبين قوات الظلمة وإحساسه بهول حمل الأثام البشرية المخيف ، وغضب الآب بسبب الخطية- كل هذا جعل روح يسوع تخور فغشى وجهه شحوب الموت. ML 590.3

ولكن عقب ذلك جاء خضوعه الإلهي لإرادة الآب فقال: “ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. أيها الآب مجّد اسمك!” (يوحنا 12 : 27 و 28). إن مملكة الشيطان لا يمكن أن تقلب أو تخرب إلاَّ عن طريق موت المسيح . إذ بهذا وحده يمكن أن يفتدى الإنسان ويتمجد الله . فقبل المسيح العذاب والموت ورضي بالتضحية . إن جلال السماء قبل أن يتألم كحامل الخطية . فقد قال: “أيها الآب مجّد اسمك”. وإذ كان يسوع يتكلم بهذه الكلمات جاء صوت من السحابة التي كانت محلقة فوق رأسه يقول: “مجدت، وأمجد أيضاً!” (يوحنا 12 : 28). لقد تمجد الله في حياة المسيح كلها من المذود إلى الوقت الذي فيه جاءه هذا الصوت ، وفي المحاكمة القادمة فان الآم ذلك الإله المتجسد ستمجد حقا اسم أبيه. ML 591.1

وعندما سمع الصوت نزل نور من السحابة وأحاط بالمسيح كما لو أن ذراعي القدرة غير المتناهية تحيطان به كسور من نار . وقد شاهد الجمع الواقف هذا المنظر برعب وذهول . ولم يجرؤ أحد على الكلام بل وقف الجميع صامتين وقد حبسوا أنفاسهم وثبتوا أنظارهم في يسوع . فإذ قدم الآب شهادته ارتفعت السحابة وانتشرت في جو السماء . وفي ذلك الحين انقطعت الشركة المنظورة بين والآب والابن. ML 591.2