مشتهى الأجيال
يزف إلى الموت
لم يسبق ليسوع في حياته على الأرض أن سمح بمثل تلك المظاهرة ، فلقد سبق فرأى النتيجة بكل جلاء ، لأن ذلك كله سينتهي به إلى الصليب. ولكنه قصد أن يقدم نفسه علنا للناس كالفادي . كما أراد أن يوجه الانتباه إلى النتيجة المزمعة أن تتوج رسالته إلى العالم الساقط . فإذ كان الشعب مجتمعين في أورشليم لممارسة الفصح أفرز هو نفسه كالحمل المرموز إليه بعمل تطوعي ليكون قربانا وذبيحة ، فكان من اللازم لكنيسته في كل العصور المتعاقبة أن تجعل موته لأجل خطايا العالم موضوعا للتفكر والدرس العميق . وكل حقيقة متصلة به ينبغي إثباتها فوق كل الشكوك. كذلك من اللازم حينئذ أن تتجه أنظار كل الناس إليه ، وكل الحوادث السابقة لذبيحته العظيمة كان ينبغي أن توجه انتباه الجميع إلى الذبيح نفسه . فبعدما خرج الناس في تلك المظاهرة لمرافقته في دخوله إلى أورشليم اتجهت كل الأنظار إليه متتبعة سيره السريع إلى المشهد الختامي. ML 536.2
إن الحوادث المتصلة بهذا الدخول الانتصاري صار الحديث عنها على كل لسان وجعلت صورة يسوع ماثلة أمام كل الأذهان. فبعد صلبه ذكر كثيرون هذه الحوادث في علاقتها بمحاكمته وموته . وهذا جعلهم يدرسون النبوات ويقتنعون بأن يسوع هو مسيا ، وفي كل البلدان كان سيزداد عدد المهتدين إلى الإيمان زيادة عظيمة. ML 536.3
وفي هذا المشهد الانتصاري الوحيد في حياة المخلص على الأرض كلها كان يمكنه أن يظهر وتحف به ملائكة السماء وبوق الله يعلن عن مجيئه. ولكن مثل هذه المظاهرة تتنافى مع غرض رسالته وتتنافى مع القانون الذي عاش بموجبه مدى حياته . لقد ظل مخلصا وأمينا للنصيب المتواضع الذي رضي به . كان ينبغي له أن يحمل عبء البشرية حتى يبذل نفسه لأجل حياة العالم. ML 537.1
إن هذا اليوم الذي بدا للتلاميذ أنه غرة أيام حياتهم كان يمكن أن تكتنفه الغيوم القاتمة السوداء لو عرفوا أن مشهد الفرح هذا إن هو إلاّ مقدمة لآلام سيدهم وموته. فمع أنه كان قد أخبرهم مرارا وتكرارا بأنه لا بد له أن يقدم ذبيحة ، فإنهم في غمرة نصرة ذلك اليوم نسوا أقواله المحزنة ونظروا إلى الأمام إلى سني ملكه الزاهر على عرش داود. ML 537.2