مشتهى الأجيال
“هوذا ملكك يأتي”
وقد انضم كثيرون من القادمين من أماكن كثيرة إلى ذلك الموكب فصار كبيرا جدا . وما عدا أناسا قليلين فقد اندمج الجميع في وحي الساعة وارتفعت الهتافات التي رددت صداها الجبال والأودية . لقد ارتفعت هتافات الانتصار بلا انقطاع قائلة: “أوصنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي!” (متى 21 : 9). ML 537.3
لم يسبق للعالم أن شهد موكب انتصار كهذا . إنه لم يكن يشبه مواكب الفاتحين المشهورين . فلم تكن ترى صفوف الأسرى النائحين التعساء دليلا على شجاعة الملوك الفاتحين وبسالتهم . فلم يكن لمثل تلك المناظر وجود في موكب انتصار المسيح . ولكن كانت ترى حول المخلص تذكارات مجيدة لأعمال محبته للخطاة . كان هنالك الأسرى الذين حررهم من أسر الشيطان وسلطانه وهم يسبحون الله على نجاتهم . فالعميان الذين وهبهم البصر ساروا في مقدمة الموكب ، والخرس الذين كان قد فك عقدة ألسنتهم كانوا يهتفون بأعلى أصواتهم . والعرج الذين شفاهم كانوا يطفرون فرحا ، وبنشاط بالغ كانوا يقطعون أغصان النخل ويلوحون بها أمام المخلص . والأرامل والأيتام كانوا يمجدون اسم يسوع ويعظمونه لأجل أعمال رحمته لهم . والبرص الذين طهرهم فرشوا ثيابهم غير الملوثة في طريقه وهتفوا لملك المجد . وأولئك الذين أيقظهم بكلمة قدرته من ضجعة الموت كانوا سائرين بين تلك الجموع . إن لعازر الذي كان جسده قد رأى فسادا في القبر والذي صار الآن فرحا بقوة الرجولة ونشاطها سار ممسكا بزمام الدابة التي ركبها المخلص. ML 537.4
رأى كثيرون من الفريسيين ذلك المشهد فالتهبت قلوبهم بحمى الحسد والخبث وحاولوا أن يصدوا تيار الشعور العام الطاغي . فبكل ما كانوا يملكون من فلول سلطانهم حاولوا إسكات الشعب ، ولكن كل محاولاتهم وتهديداتهم زادت الشعب حماسة فوق حماستهم ، وباتوا يخشون من أن قوة عدد تلك الجموع ستجعلهم قادرين على أن يقيموا يسوع ملكا . ولكنهم قاموا بمحاولة أخيرة فشقوا لأنفسهم طريقا بين تلك الجموع إلى أن وقفوا أمام المخلص وجها لوجه . ثم بادروه بألفاظ التوبيخ والتهديد قائلين: “يا معلّم، انتهر تلاميذك! ”. وقد قالوا له إن مثل هذه المظاهرات الصاخبة لا يبيحها القانون والسلطات لا تسمح بها . ولكن جواب يسوع أبكمهم إذ قال لهم: “أقول لكم: إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ!” (لوقا 19 : 39، 40). إن الله هو الذي دبر قيام موكب الانتصار ذاك وقد سبق النبي فأنبأ به . لذلك ليس في مقدور إنسان على وجه الأرض أن يحبط قصد الله . فلو قصر الناس عن إتمام تدبيره تعالى لأعطيت الحجارة البكم صوتا يرتفع بالتهليل والتسبيح . وعندما تراجع الفريسيون الذين أبكمهم يسوع ردَّدت مئات الأصوات صدى نبوة زكريا القائلة: “ابتهجي جداً يا ابنه صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع، وراكب على حمار و على جحش ابن أتان” (زكريا 9 : 9). ML 538.1