مشتهى الأجيال

467/684

مدح وتوبيخ

قال المسيح: “الحق أقول لكم: حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها” (متى 26 : 13). فإذ نظر المخلص إلى المستقبل تكلم بكل يقين عن إنجيله . كان سيكرز به في كل العالم . وأينما امتد عمل الإنجيل فاح عبير الطيب الذي قدمته مريم للسيد وتباركت نفوس كثيرة عن طريق ذلك العمل الارتجالي الذي قامت به مريم . لقد قامت ممالك وازدهرت وطار صيتها ثم سقطت ، ونسيت أسماء الملوك والفاتحين ، ولكن عمل هذه المرأة صار خالدا إذ سجل في السفر المقدس . وعلى انقضاء الدهر حين لا يكون زمان بعد ستذيع قارورة الطيب التي انكسرت قصة محبة الله الفائضة لجنسنا الساقط. ML 526.4

إن ما فعلته مريم كان على نقيض ما كان يهوذا مزمعا أن يفعله. كم كان درسا قاسيا ذاك الذي كان يمكن أن يلقنه المسيح لذلك الإنسان الذي ألقى بذار الانتقاد والتفكير الشرير في عقول التلاميذ ! وكم هو عادل ومستقيم أن المشتكي يصير مشكوا ! إن ذاك المطلع على كل خوالج قلوب الناس والذي يفهم كل عمل كان في إمكانه أن يكشف لضيوف تلك الوليمة أمورا مرعبة وقاتمة في اختبار يهوذا . إن ذلك التصنع الفارغ الذي بنى عليه ذلك الخائن كلامه كان يمكن كشف حقيقته ، لأنه بدلا من عطفه على الفقراء كان يسلبهم المال الذي خصص لإغاثتهم . كان يمكن أن يثور عليه غضب الحاضرين في ذلك البيت على ظلمه للأرملة واليتيم والأجير . ولكن لو أن المسيح فضح يهوذا وكشف للناس عن طواياه الخبيثة لاعتبر هذا سببا لتسليم يهوذا للسيد . وحتى مع اتهام يهوذا بالاختلاس والسرقة كان يمكنه أن يظفر بعطف الناس حتى التلاميذ أنفسهم . إن المسيح لم يوبخه وهكذا لم يعطه مجالا للغدر والخيانة. ML 527.1

ولكن النظرة التي ألقاها يسوع على يهوذا أقنعته بأن المخلص كان مطلعا على ريائه وعالما بما يجول في خاطره وعليما بصفاته الدنيئة الحقيرة. وإذ امتدح عمل مريم الذي استهجنوه بكل صرامة وبخ يهوذا . لم يسبق للمسيح أن وجه إليه توبيخا مباشرا قبل ذلك ، أما الآن فإن ذلك التوبيخ ألهب النار في قلبه فعول على أن يثأر لنفسه . فقام عن العشاء وتوجه توا إلى قصر رئيس الكهنة حيث وجد المجمع ملتئما فعرض عليهم أمر تسليم يسوع لأيديهم. ML 527.2