مشتهى الأجيال
قنينة طيب
وإذ كانت هذه المؤامرات تُحاك في أورشليم دُعي يسوع وتلاميذه وأصدقاؤه إلى الوليمة في بيت سمعان. فاتكأ يسوع على المائدة مع سمعان الذي كان قد شفي من مرضه الكريه على هذا الجانب ، ومع لعازر الذي كان قد أقامه من الأموات عنى الجانب الآخر . وكانت مرثا تخدم الضيوف على المائدة ، أما مريم فكانت منصرفة بكل جوارحها للإصغاء إلى كل كلمة ينطق بها يسوع . ففي رحمته غفر لها يسوع خطاياها . لقد دعا أخاها الحبيب وأخرجه من قبره فامتلأ قلب مريم بالحمد والشكران . كانت قد سمعت يسوع يتحدث عن موته القريب ، ففي حبها وحزنها العميقين تاقت إلى إكرامه . فأقدمت على تضحية عظيمة إذ اشترت منا من “طيب ناردين خالص كثير الثمن” (يوحنا 12 : 3) لتعطر به جسده . ولكن كثيرين كانوا يعلنون آنئذ أنه مزمع أن يتوج ملكا . فاستحال حزنها إلى فرح وتاقت إلى أن تكون أول من يكرمون سيدها . فبعدما كسرت القارورة سكبت الطيب على رأس يسوع وقدميه . وإذ جثت عند قدميه باكية جعلت تغسلهما بدموعها وتمسح رجليه بشعرها المسترسل. ML 524.1
كانت تحاول أن تتحاشى نظرات الناس ، وكان يمكن ألا يلاحظها أحد ، ولكن شذا الطيب ملأ الغرفة فاشتم الضيوف أريجه الذي أذاع خبر ما عملته مريم بين كل المدعوين. فنظر يهوذا إلى هذا العمل بسخط عظيم . وبدلا من أن يتريث حتى يسمع ما سيقوله المسيح عن هذه المسألة بدا يهمس بتذمراته في آذان رفاقه القريبين منه ملقيا اللوم على المسيح لأنه سمح بذلك الإتلاف . وبكل دهاء أدلى ببعض الملاحظات التي من شأنها أن تثير النفور. ML 524.2
كان يهوذا أمينا للصندوق بين التلاميذ . ومن القليل الذي كان يوجد فيه كان يأخذ في السر بعض المال لنفسه ، مما جعل المبلغ المتبقى قليلا وتافها جدا . كان يتوق لأن يضع في الصندوق كل ما يستطيع أن يحصل عليه . وكثيرا ما كان يعطى ما في الصندوق للفقراء لإسعافهم ، فإذا اشتُرِيَ شيء مما كان يهوذا يراه غير لازم أو جوهري كان يقول: لماذا هذا الإتلاف ؟ ولماذا لم يوضع ثمنه في الصندوق الذي أتولى أمره ليعطى للفقراء ؟ أما الآن فإن ما عملته مريم كان على نقيض أنانيته بحيث خجل وجلله العار . وكما كانت عادته دائما حاول أن يبدي سببا وجيها لتبرير اعتراضه على تقدمتها . فإذ التفت إلى التلاميذ سألهم قائلا: “لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمئة دينار ويعط الفقراء؟ قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء، بل لأنه كان سارقاً، وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يُلقى فيه” (يوحنا 12 : 5 و 6). لم يكن يهوذا يعطف على الفقراء . فلو بيع الطيب الذي قدمته مريم للسيد ووقع ثمنه في يد يهوذا فقل عليه السلام ، أما الفقراء فما كانوا ليحصلوا منه على قليل أو كثير. ML 524.3
كان يهوذا يقدر مقدرته الإدارية تقديرا عاليا جدا. فقد اعتبر نفسه أسمى بكثير من زملائه التلاميذ كرجل خبير بالشؤون المالية . كما جعلهم ينظرون إليه تلك النظرة ويقدرونه بذلك التقدير . فظفر بثقتهم وكان له فيهم تأثير قوي . وهكذا انخدعوا بعطفه الزائف على الفقراء . ثم جعلهم تلميحه الخبيث ينظرون إلى عمل مريم التعبدي التكريسي نظرة الشك . وتناقلت ألسنة الذين على المائدة كلمات التذمر قائلة: “لماذا هذا الإتلاف؟ لأنه كان يمكن أن يباع هذا الطيّب بكثير ويعطى للفقراء” (متى 26 : 8 و 9). ML 525.1