مشتهى الأجيال
بركة للبشرية
إن مخلصنا قاسم الفقراء في فقرهم طوال سني حياته التي عاشها بين الناس ، وبالاختبار عرف همومهم ومتاعبهم ولذلك استطاع أن يرثي لكل العمال البسطاء ويشجعهم. إن أولئك الذين يدركون إدراكا صحيحا الدروس التي يمكن استخلاصها من حياة الفادي ينبغي لهم أن يقتنعوا بخطإ التفريق بين الطبقات ، وبخطإ وجوب إكرام الأغنياء على الفقراء الأفاضل. ML 60.1
أسبغ يسوع على عمله مسحة الفرح واللباقة ، في حين أن إدخال ديانة الكتاب المقدس إلى الحياة البيتية والمعمل والمصنع يتطلب صبرا وحياة روحية ممتازة ، وأن يتحمل المرء إجهاد العمل العالمي ، وفي نفس الوقت تكون عينه خالصة لمجد الله. في هذا كان المسيح معينا . إن هموم العالم لم تكن تضغطه بشدة إلى درجة أنه لم يكن لديه وقت للتفكير في الأمور السماوية . ففي كثير من الأحيان كان يعبر عن فرح قلبه بإنشاد المزامير والتسابيح الروحية ، كما كان أهل الناصرة كثيرا ما يسمعون صوته عاليا في ترديد شكره وتسبيحه لله . لقد كان في شركة مع السماء عن طريق التسبيح . وحين كان رفاقه يشكون مر الشكوى من إجهاد العمل الفني كان هو يسري عنهم ويبهج قلوبهم بألحانه العذبة الجميلة المنبعثة من بين شفتيه ، فبدا وكأن تسبيحاته تطرد الملائكة الأشرار ، وكالبخور العطر كانت تعطر أرجاء المكان . وكانت أفكار سامعيه تسمو وترتفع في أرض اغترابهم إلى الوطن السماوي. ML 60.2
كان يسوع نبع الرحمة الشافية للعالم ، ومدى سني العزلة التي قضاها في الناصرة كانت تجري من حياته سيول الرقة والعطف . فالعجائز والحزانى والمثقلون بخطاياهم والأطفال اللاعبون في مرح الطفولة وبراءتها. والحيوانات الصغيرة ساكنة الأحراج والحيوانات حاملات الأثقال- كل أولئك أحسوا بالسعادة في حضرته . إن ذاك الذي بكلمة قدرته يمسك العوالم كان ينحني ليعصب طائرا جريحا . لم يكن هنالك شيء أحقر من أن يلاحظه ويعنى به ، ولم يكن يستنكف من أن يقدم خدمة لمخلوق مهما كان وضيعا. ML 60.3
وهكذا إذ كان يسوع ينمو في الحكمة والقامة كان ينمو أيضا في النعمة لدى الله والناس. لقد استدر عطف كل القلوب لكونه كان عطوفا على الجميع . وإن جو الرجاء والشجاعة الذي كان يحيط به جعله بركة لكل بيت . وفي أحيان كثيرة إذ كان يذهب إلى المجمع في أيام السبوت كان يطَلب منه أن يقرأ الدرس من الأنبياء ، فكانت تهتز مشاعر السامعين حين كان يراق نور جديد على بعض أقوال الكتاب المقدس المألوفة. ML 61.1
إلا أن يسوع كان يمقت التظاهر. فمدى سني وجوده في الناصرة لم يعرض على الناس قدرته العجائبية . لم يطلب مركزا عاليا ولا اتخذ لنفسه لقبا ، فحياته الهادئة البسيطة ، حتى صمت الكتاب عن ذكر شيء يختص بسني حياته الأولى ، يعلمنا درسا هاما . فكلما كانت حياة الصبي هادئة وبسيطة كانت خالية من الثورات المفتعلة . وكلما كانت في حالة انسجام مع الطبيعة كان ذلك في صالح النشاط الجسماني والذهني والقوة الروحية. ML 61.2
إن يسوع هو مثلنا الأوحد. كثيرون يطيلون التأمل باهتمام في مدة خدمته بين الجماهير ومع ذلك لا يلتفتون كثيرا إلى التعاليم التي يمكن استخلاصها من سني حياته الأولى ، مع أنه في حياته البيتية يصلح مثالا لكل الفتيان والشباب . لقد تنازل المخلص وافتقر لكي يعلمنا كيف يمكننا ونحن في ضعتنا وفقرنا أن نسير مع الله في أدنى قرب .لقد عاش لكي يرضي أباه ويكرمه ويمجده في شؤون الحياة العادية ، فبدأ عمله بتكريس تلك الحرفة المتواضعة ، حرفة الصناع الذين يكدون للحصول على قوتهم اليومي . كان يخدم الله وهو يعمل في حانوت النجار تماما كما كان وهو يصنع العجائب لخير جماهير الشعب . وكل شاب يتبع مثال المسيح في أمانته وطاعته في بيته المتواضع ، يمكنه أن ينسب لنفسه الكلام الذي قاله الآب عن ابنه بالروح القدس حين قال: “هوذَا عبدي الَّذي أَعضدهُ ، مخَتارِي الَّذي سرتْ بِه نَفسي” (إشعياء 42 : 1). ML 61.3