مشتهى الأجيال
“ليست من هذا العالم”
ولكن يوجد بين العالم المتدين اليوم كثيرون ممن يعتقدون أنهم يعملون على توطيد ملكوت المسيح كملكوت أرضي زمني ، فهم يتوقون إلى تمليك يسوع على مملكة هذا العالم فيسود على محاكمها ومعسكراتها ودور القضاء فيها وقصورها وأسواقها . وينتظرون أنه يملك بواسطة أوامر شرعية تنفذها سلطة بشرية . وحيث أن المسيح ليس بيننا الآن بجسده فهم أنفسهم سينوبون عنه في العمل وفي تنفيذ قوانين ملكوته . كان اليهود في أيام المسيح يتوقون إلى إقامة مثل هذا الملكوت . فلو رغب يسوع في إقامة ملكوت أرضي وفي تنفيذ ما قد اعتبروه قوانين الله ، وفي جعلهم مفسري شريعته وإرادته في السلطة لكانوا قبلوه . ولكنه قال: “مملكتي ليست من هذا العالم” (يوحنا 18 : 36). ولم يقبل العرش الأرضي. ML 480.2
إن الحكم الذي عاش يسوع في ظله كان حكما فاسدا وجائرا . ففي كل مكان كنت ترى سوء المعاملة الصارخة والاغتصاب والتعصب والقسوة الساحقة . ومع ذلك فلم يحاول المخلص القيام بأي إصلاح مدني . ولم يهاجم سوء المعاملة القومية ولا دان الأعداء القوميين . ولم يتدخل في سلطة ذوي السلطان أو سياستهم . فذاك الذي هو مثلنا الأعلى ترفع عن التدخل في شؤون الحكومات الأرضية ، ليس لأنه لم يكن يكترث لآلام الناس وبلاياهم بل لأن العلاج لم يكن ينحصر في الإجراءات البشرية الخارجية وحدها . فلكي يكون العلاج ناجعا كان ينبغي أن يصل إلى كل إنسان بمفرده ويجدد قلبه. ML 480.3
إن ملكوت المسيح لا يثبت بأحكام المحاكم أو المحافل التشريعية ولا برعاية عظماء هذا الدهر ومعاضدتهم بل بغرس طبيعة المسيح في القلوب البشرية بعمل الروح القدس “وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه. الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يوحنا 1 : 12، 13). هنا نجد القوة الوحيدة التي تستطيع أن تسمو بالبشرية . والوسيلة البشرية لإنجاز هذا العمل هي تعليم كلمة الله والعمل بها. ML 480.4
عندما بدأ بولس الرسول خدمته في كورنثوس ، المدينة الكثيرة السكان الواسعة الثراء الممتلئة بالشر والتي انتشرت فيها مفاسد الوثنية ومباذلها التي ذكرها أيضا قبيح ، قال: “لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً” (1 كورنتثوس 2 : 2). وإذ كتب بعد ذلك إلى بعض من كانوا قد تنجسوا بأقبح الخطايا قال: “لكن اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” ، “أشكر إلهي في كل حين من جهتكم على نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح” (1 كورنثوس 6 : 11 ؛ 1 : 4). ML 481.1
والآن كما كانت الحال في أيام المسيح لا ينحصر عمل الله في أولئك الذين يتحرقون شوقا إلى الشهرة ومعاضدة الحكام الأرضيين والشرائع الأرضية بل في أولئك الذين باسم الرب يعلنون للناس تلك الحقائق الروحية التي تخلق في قلوب من يقبلونها نفس الاختبار الذي حدث لبولس عندما قال: “مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في” (غلاطية 2 : 20). وحينئذ سيعملون كما عمل بولس لأجل خير الناس . فقد قال: “إذا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله” (2 كورنثوس 5 : 20). ML 481.2