مشتهى الأجيال

388/684

الحق ليس بكثرة العدد

إن الكهنة والرؤساء عندما مثلوا أمام المسيح في البداية كان عندهم مثل هذا الاقتناع . لقد تأثرت قلوبهم تأثرا عميقا ، ووجد هذا الفكر طريقه إلى قلوبهم: “لم يتكلّم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان!” ولكنهم أخمدوا هذا الاقتناع الذي أحدثه فيهم الروح القدس . والآن إذ كانوا مغتاظين لكون أعوانهم أولئك قد تأثروا من تعاليم ذلك الجليلي المكروه صاحوا قائلين: “ألعلّكم أنتم أيضاً قد ضللتم؟ ألعلّ أحداً من الرؤساء أو من الفريسيين آمن به؟” (يوحنا 7 : 47 و 48). ML 433.4

إن أولئك الذين تبلغ إليهم رسالة الحق قلما يسألون قائلين: “هل هذا هو الحق؟” بل يسألون قائلين: “من الذي نطق به؟”. إن كثيرين يقدرون الحق بنسبة عدد من يقبلونه . ولا يزال هذا السؤال يسأل: هل آمن أحد العلماء أو الرؤساء الدينيين ؟ إن الناس في هذه الأيام ليسوا أكثر اندفاعا للتقوى الحقيقية ممن كانوا في أيام المسيح . إنهم منصبون على طلب الخيرات الزمنية فيهملون الغنى الأبدي . وليس مما يؤخذ حجة ضد الحق كون كثيرين من الناس غير مستعدين لقبوله أو أن عظماء هذا الدهر أو حتى الرؤساء الدينيين لم يقبلوه. ML 434.1

ومرة أخرى شرع الكهنة والرؤساء في رسم خطة للقبض على يسوع . وقد تشاوروا فيما بينهم قائلين إنه لو ترك حرا أكثر من ذلك فسيجتذب الشعب بعيدا عن الرؤساء الرسميين ، وإنَّ أسلم طريق يسلكونه هو أن يسكتوه بلا إبطاء . ففيما كانوا في غمرة مؤامراتهم أوقفوا عند حدهم إذ سألهم نيقوديموس قائلا: “ألعلّ ناموساً يدين إنساناً لم يسمع منه أولاً ويعرف ماذا فعل؟” (يوحنا 7 : 51). فاستولى الصمت على تلك الجماعة . لقد لمس كلام نيقوديموس ضمائرهم . إنهم في الحقيقة لم يكونوا يستطيعون أن يدينوا إنسانا لم يسمعوه . ولكن لم يكن هذا هو السبب الذي لأجله ظل أولئك الرؤساء المتكبرون صامتين وهم يشخصون في ذاك الذي تجرأ على الدفاع عن العدالة . لقد فزعوا واغتنموا لأن واحدا منهم كان قد كان تأثر تأثرا بالغا بأخلاق يسوع إلى حد أنه تجرأ أن يقول كلمة مدافعا عنه. فلما أفاقوا من دهشتهم خاطبوا نيقوديموس بتهكم جارح قائلين: “ألعلّك أنت أيضاً من الجليل؟ فتّش وانظر! إنه لم يقم نبي من الجليل” (يوحنا 7 : 52). ML 434.2

ومع ذلك فإن هذا الاحتجاج أوقف إجراءات المجلس . فلم يستطع الرؤساء أن ينفذوا غرضهم ويدينوا يسوع بدون أن يسمعوا منه . فلما انهزموا إلى حين “مضى كل واحد إلي بيته. أنا يسوع فمضى إلى جبل الزيتون” (يوحنا 7 : 53 ؛ 8 : 1). ML 434.3

تحول يسوع بعيدا عن المدينة بما فيها من هيجان وتشويش ، بعيدا عن الجموع المشتاقة والمعلمين الغادرين ، وانطلق إلى حدائق الزيتون الساكنة لينفرد مع الله . ولكن في بكور اليوم التالي عاد إلى الهيكل ، وإذ اجتمع الشعب حوله جلس ليعلمهم. ML 435.1