مشتهى الأجيال
ينبوع الحياة
واظب يسوع على تعليم الشعب يوما بعد يوم إلى “اليوم الأخير العظيم من العيد” (يوحنا 7 : 37). وفي صبيحة ذلك اليوم كان الشعب متعبين وضجرين من طول موسم العيد . وفجأة رفع يسوع صوته في نغمات رن صداها في أروقة الهيكل قائلا: ML 427.1
“إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي” (يوحنا 7 : 37 و 38). وقد جعلت حالة الشعب هذا التصريح قويا وفعالا . لقد كانوا منصرفين إلى مناظر لا نهاية لها من الأبهة ومسببات البهجة . فبهرت عيونهم الأنوار والألوان الزاهية ، وطنت آذانهم من أصوات الموسيقى المطربة . ولكن لم يكن في كل تلك الاحتفالات التي لا تنتهي ما يسد حاجة الروح ، ولا شيء يطفئ ظمأ النفس إلى الأشياء التي لا تفنى . فدعاهم يسوع ليأتوا إليه ويشربوا من نبع الحياة الذي يصير فيهم ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية . ML 427.2
كان الكاهن قد أقام الاحتفال الذي كان تذكارا لضرب الصخرة في البرية . وكانت الصخرة رمزا لذاك الذي بموته سيجعل ينابيع الخلاص الحية تفيض لإرواء جميع الظامئين . كان كلام المسيح هو ماء الحياة . وهناك على مرأى من ذلك الجمع الحاشد أفرز يسوع نفسه ليضرب حتى تفيض مياه الحياة للعالم . إن المسيح حين ضرب كان الشيطان يقصد أن يهلك رئيس الحياة . ولكن من تلك الصخرة التي ضربت فاض الماء الحي . وإذ خاطب يسوع الشعب بهذا الكلام اختلجت في قلوبهم أحاسيس الرهبة ، وكثيرون كانوا مزمعين أن يصرخوا مع المرأة السامرية حين قالت: “يا سيد أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش” (يوحنا 4 : 15). ML 427.3
لقد عرف يسوع حاجة كل نفس . إن الأبهة والغنى والكرامة لا يمكنها أن تشبع القلب. يقول يسوع: “إن عطش أحد فليقبل إليّ”، وهو يرحب بالأغنياء والفقراء والعالي والدون على السواء . إنه يعد بالراحة للعقل المجهد المثقل ويعزي كل حزين ويمنح الرجاء لليائسين . إن كثيرين ممن سمعوا أقوال يسوع كانوا نائحين لخيبة آمالهم ، وآخرون كان يربض في أعماقهم حزن دفين ، وآخرون حاولوا إشباع أشواقهم التي لا تعرف الشبع بأمور العالم ومديح الناس ، ولكنهم بعدما حصلوا على ما كانوا يشتهون وجدوا أنهم كانوا يتعبون ليحصلوا على آبار مشققة لا تضبط ماء ، ولذلك لم يمكنهم إرواء عطشهم . ففي وسط بريق المناظر المفرحة الخلابة وقفوا غير قانعين وتعساء . فتلك الصرخة المفاجئة القائلة “إِنْ عطش أَحد” أفزعتهم وأيقظتهم من أفكارهم الكئيبة . فلما سمعوا ما قاله بعد ذلك اضطرم في قلوبهم أمل جديد . إن الروح القدس قدم إليهم الرمز حتى رأوا فيه هبة الخلاص المجانية التي لا تقدر بثمن. ML 427.4
إن دعوة المسيح للنفوس الظامئة لا يزال يرن صداها في الآذان والقلوب ، وهي اليوم تقدم لنا بقوة أعظم مما إلى أولئك الذين سمعوها في الهيكل في اليوم الأخير العظيم من العيد . إن الينبوع مفتوح للجميع . فالمتعبون والمعيون يقدم لهم ماء الحياة الأبدية المنعش ويسوع لا يزال يصرخ قائلا: “إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب”، “من يعطش فليأت. ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجاناً”، “من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدرية” (رؤيا 22 : 17 ؛ يوحنا 4 : 14). ML 428.1