مشتهى الأجيال

361/684

ثلاث مظال

إن الرسل لم يكونوا قد أدركوا المنظر على حقيقته ، ولكنهم يفرحون لأن معلمهم الصبور الوديع المتواضع الذي كان يجول من مكان إلى آخر كغريب لا حول له ولا قوة ، يحصل على كرامة من أولئك الذين تكرمهم السماء . وهم يعتقدون أن إيليا قد أتى لكي يعلن عن ملك مسيا وأن ملكوت الله على وشك أن يقام على الأرض . وهم سيتخلصون من ذكرى خوفهم وفشلهم إلى الأبد . إنهم يريدون أن يلبثوا هنا حيث قد أعلن مجد الله فها بطرس يهتف قائلا: “يا سيدي، جيد أن نكون ههنا. فنصنع ثلاث مظال: لك واحدة، ولموسى واحدة، ولإيليا واحدة” (مرقس 9 : 5). إن التلاميذ واثقون من أن موسى وإيليا أرسلا لحماية معلمهم وتوطيد سلطانه كملك. ML 401.1

ولكن قبل الإكليل ينبغي أن يجيء الصليب . إن موضوع حديث موسى وإيليا مع يسوع لم يكن لتتويج المسيح ملكا بل كان لموته الذي كان عتيدا أن يكمله في أورشليم . إن يسوع إذ حمل ضعفات البشرية وكان مثقلا بأحزانها وخطاياها سار وحيدا بين الناس . فإذ ضغطت عليه ظلمة المحنة القادمة كان منعزلا بروحه في عالم لم يعرفه . بل حتى تلاميذه المحبوبون أنفسهم إذ كانوا مغرقين في شكوكهم وحزنهم وآمالهم وطموحهم لم يكونوا قد فهموا سر مهمته ورسالته . لقد كان يعيش محوطا بجو المحبة ، أما في العالم الذي قد خلقه فكان في عزلة . وها هي السماء ترسل رسلها إلى يسوع ، ولم يكن ذانك الرسولان من الملائكة بل كانا رجلين جازا في الآلام والأحزان حين كانا في العالم وكانا لذلك قادرين على أن يرثيا للمخلص في محنة حياته الأرضية . لقد كان موسى وإيليا عاملين مع المسيح وكانا مثله تائقين إلى خلاص الناس . لقد توسل موسى لأجل إسرائيل قائلا: “والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت” (خروج 32 : 32). وقد عرف إيليا حياة العزلة . فمدى الثلاث سنين وستة أشهر التي اشتدت فيها وطأة الجوع حمل عبء كراهية الأمة وكل ويلاتها . وقد وقف وحده إلى جانب الله على جبل الكرمل كما هرب وحده إلى البرية في غم ويأس شديدين . هذان الرجلان اللذان وقع عليهما الاختيار دون كل الملائكة الواقفين حول العرش أتيا ليتحدثا مع يسوع عن مناظر آلامه وعذابه وليعزياه بيقين عطف السماء عليه . وقد كان عماد هذا الحديث هو رجاء العالم وخلاص كل الناس. ML 401.2