مشتهى الأجيال
صلاة على سفح جبل
وهنا يخبرهم المسيح أن لا يتقدموا إلى أبعد من ذلك . وإذ ينفصل عنهم قليلا يسكب رجل الأوجاع تضرعاته بدموع وصراخ شديد . إنه يصلي في طلب القوة لاحتمال التجربة لأجل البشرية . عليه أن يتمسك من جديد بقدرة الله إذ بذلك وحده يستطيع أن يواجه المستقبل . إنه يسكب أشواق قلبه لأجل تلاميذه حتى إذا هجمت عليهم يوما قوات الظلمة لا يفنى إيمانهم . فأخذ جسمه المنحني يبتل كله بالندى ولكنه لا يلاحظ ذلك ، وهوذا ظلمات الليل تتكاثف من حوله ولكنه لا يلاحظ شدة حلوكتها . وهكذا تمر الساعات متلكئة متباطئة . لقد شاركه التلاميذ في الصلاة في بادئ الأمر بكل تكريس وإخلاص ، ولكن بعد وقت نراهم يستبد بهم التعب والضنى ، فمع أنهم قد حاولوا أن يولوا ذلك المنظر اهتمامهم فقد غلبهم النوم . كان يسوع قد أنبأهم بآلامه فأخذهم معه ليشاركوه في الصلاة ، وحتى الآن هو يصلي من أجلهم . لقد رأى المخلص حزن التلاميذ فتاقت نفسه أن يخفف من هول أحزانهم بتأكيده لهم أن إيمانهم لم يكن باطلا . وقليلون حتى من بين الاثني عشر يستطيعون أن يتقبلوا الإعلان الذي يريد أن يخبرهم به . إنما التلاميذ الثلاثة فقط الذين سيشاهدون أحزانه وآلامه في جثسيماني اختيروا للصعود معه إلى الجبل . وقد توخى الآن في صلاته أن يعلن لهم المجد الذي كان له عند الآب قبل كون العالم لكي يعلن ملكوته للعيون البشرية ويتقوى تلاميذه حتى يستطيعوا مشاهدته . وهو يطلب أن يشاهدوا إعلان ألوهيته ، الأمر الذي لا شك سيساعدهم ويعزيهم في ساعة آلامه الرهيبة بيقين كونه ابن الله ، وإن موته المشين هو جزء من تدبير الفداء. ML 398.4
لقد سمعت صلاته ، ففيما كان جاثيا في تواضع وانسحاق على الأرض المحجرة إذا بالسماوات تنفتح فجأة والأبواب الذهبية ، أبواب مدينة الله تفتح على سعتها ويشرق على ذلك الجبل نور باهر يحيط بجسم المخلص ، فيشرق نور الألوهية من الداخل على البشرية، ويلتقي بالمجد الآتي من فوق . وإذ ينهض عن الأرض يقف بجلاله الإلهي وقد زايله حزنه النفسي . وإذا وجهه يضيء “كالشمس”، وثيابه تلمع “بيضاء كالنور” (متى 17 : 2). ML 399.1