مشتهى الأجيال

357/684

آمال تتحطم

ولكن بعد الفقر والاتضاع في الزمن الحاضر وجه السيد أنظار تلاميذه إلى مجيئه في مجده ، ليس في مجد عرش أرضي بل بمجد الآب والأجناد السماويين . ثم قال: “وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله” (متى 16 : 27). ثم لأجل تشجيعهم قدم لهم هذا الوعد قائلاً: “الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته” (متى 16 : 28). ولكن التلاميذ لم يدركوا معنى كلام يسوع . لقد بدا كأن المجد بعيد جدا . كانت عيونهم مثبتة في المنظر الأقرب ، في الحياة الأرضية ، حياة الفقر والاتضاع والآلام . فهل يلتزمون بأن يتخلوا عن انتظاراتهم المشرقة عن ملكوت مسيا ؟ وهل لن يروا سيدهم ممجدا على عرش داود؟ وهل قدر المسيح أن يحيا كإنسان هائم على وجهه ووضيع بلا بيت يأوي إليه ليحتقر ويرفض ويموت ؟ لقد اعتصر الحزن قلوبهم لأنهم كانوا يحبون سيدهم . وضايقتهم الشكوك وأزعجت عقولهم لأنه بدا لهم أنه من غير المعقول أن يتعرض ابن الله لمثل ذلك الإذلال القاسي . فشرعوا يتساءلون فيما بينهم لماذا يذهب بمحض اختياره إلى أورشليم ليلاقي تلك المعاملة القاسية التي أخبرهم أنه سيعامل بها هناك ؟ وكيف يسلم نفسه إلى ذلك المصير ويتركهم في ظلمة داجية أشد ادلهماما من الظلمة التي كانوا فيها قبلما أعلن نفسه لهم ؟ ML 396.2

في إقليم قيصرية فيلبس كان يسوع بعيدا عن متناول يد هيرودس وقيافا- هكذا كان التلاميذ يتناقشون . ليس ما يخافه من كراهية اليهود أو سلطان الرومان فلماذا لا يعمل هنا بعيدا عن الفريسيين ؟ ولماذا هو ملتزم أن يسلم نفسه للموت؟ وإذا كان سيموت فكيف يمكن أن تثبت مملكته وتتوطد بحيث أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها ؟ كان هذا سرا ولغزا محيرا لعقول التلاميذ. ML 397.1

وهاهم الآن مسافرون بمحاذاة بحر الجليل صوب المدينة التي ستتحطم فيها كل آمالهم وتنهار . ولم يتجاسروا على الاعتراض على المسيح . ولكنهم كانوا يتحدثون معا بأصوات منخفضة حزينة عما سيحدث في المستقبل . وحتى في وسط تساؤلهم كانوا يتعلقون بهذا الأمل أنه ربما يحدث حادث لم يخطر لأحد ولم يكن في حسبانهم يبعد عن سيدهم المصير المرعب الذي ينتظره . وهكذا ظلوا نهبا للأحزان والشكوك والخوف والرجاء ستة أيام طويلة كئيبة. ML 397.2