مشتهى الأجيال

356/684

حتى الموت

لقد كان درسا قاسيا لبطرس ، درسا تعلمه ببطء وهو أن طريق المسيح على الأرض هو طريق محفوف بالآلام المبرحة والاتضاع . تراجع ذلك التلميذ عن اتباع سيده في طريق الآلام . ولكن في وسط آتون النار المحرقة كان عليه أن يكتشف بركة الألم . وبعد زمن طويل انحنت قامته القوية النشيطة تحت أثقال السنين والكفاح المرير فكتب يقول: “أيها الأحباء، لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة، لأجل امتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب، بل كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين” (1 بطرس 4 : 12، 13). ML 395.1

أوضح يسوع الآن لتلاميذه أن حياة إنكار الذات التي عاشها كانت مثالا لهم يجب أن يحتذوه . وإذ دعا إليه مع تلاميذه الناس الذين كانوا قريبين منه قال: “إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (لوقا 9 : 23). لقد كان الصلب من بين العقوبات التي فرضتها روما . وكان الصليب من أقسى آلات الإعدام المذلة للنفس .وكان على المجرمين الأدنياء أن يحملوا صلبانهم إلى ساحة الإعدام . وفي كثير من الأحيان عندما كانت الصلبان على وشك أن توضع على أكتافهم كانوا يقاومون بعنف مستيئس إلى أن يغلبوا على أمرهم وتربط آلات الرعب تلك على أجسامهم . ولكن يسوع يأمر تلاميذه أن يحمل كل منهم صليبه ويتبعه . ومع أن التلاميذ لم يدركوا جليا معنى كلام المسيح حينئذ فقد فهموا أنه يشير إلى وجوب الخضوع لأمر ألوان الإذلال والاتضاع- الخضوع حتى الموت لأجل المسيح . كان كلام المخلص هذا أبلغ كلام جامع في وصف الخضوع التام ، ولكنه هو قبل كل هذا لأجلهم . إن يسوع لم يكن يحسب السماء مكانا مرغوبا فيه بينما نحن على الأرض هالكون . لقد ترك السماء ليعيش على الأرض حياة مجللة بالعار والإهانات وليموت لأجلنا موتا مشينا مهينا . ذاك الذي كان غنيا بكل ما في خزائن السماء من كنوز لا تقدر ، افتقر من أجلنا لكي نستغني نحن بفقره . وعلينا أن نقتفي آثار خطواته. ML 395.2

إن محبتنا للنفوس التي مات المسيح لأجلها معناها صلب الذات . ومن هو ابن الله يجب عليه من الآن أن ينظر إلى نفسه على أنه حلقة في السلسلة المدلاة لتخليص العالم ، وأنه متحد بالمسيح في تدبير الرحمة يخرج معه لكي يطلب ويخلص الهالكين . على المسيحي أن يتحقق دائما من أنه قد كرس نفسه لله ، وأنه في أخلاقه عليه أن يعلن المسيح للعالم . إن العطف والحب والتضحية التي ظهرت في حياة المسيح ينبغي أن تعود للظهور في حياة كل من يعملون لأجل الله. ML 395.3

“فإن من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلّصها” (مرقس 8 : 35). إن الأنانية هي الموت . لا يمكن لأي عضو في الجسم أن يحيا إذا كان يقصر خدمته على نفسه . فالقلب إذا لم يرسل الدم إلى اليد والرأس سرعان ما يضعف . وكالدم كذلك ينبغي أن تتغلغل محبة المسيح إلى كل أعضاء جسده الروحي . فنحن أعضاء بعضنا لبعض ، والنفس التي ترفض أن تعطي ستهلك . “لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟” (مرقس 8 : 36). ML 396.1