مشتهى الأجيال

31/684

المجوس مقودون بالإيمان

كما خرج إبراهيم من أرضه بالإيمان إطاعةً لأمر الله “وَهو لا يعَلم إِلى أَين يأْتي ” (عبرانيين 11 : 8) ، وكما تبع بنو إسرائيل عمود السحاب بالإيمان إلى أرض الموعد هكذا خرج هؤلاء الأمميون بحثا عن المخلص الموعود به . وقد كانت في بلاد الشرق تحف وأشياء كثيرة ثمينة ، فلذلك لم يأتِ أولئك المجوس بأيديهم فارغة ؛ إذ كانت العادة أن يقدم الناس الهدايا دليلا على ولائهم للحكام أو غيرهم من الشخصيات العظيمة . ولهذا حمل أولئك الرجال أغنى الهدايا التي جادت بها البلاد إلى ذاك الذي فيه تتبارك جميع قبائل الأرض . وكان لابد لهم من السفر ليلا حتى لا يغيب النجم عن أنظارهم وبالنسبة لبعد المسافة راحوا يقطعون الوقت بترداد الأقوال المنقولة عن التقليد والنبوات بشأن من جاءوا يطلبونه . وفي كل مرة توقفوا فيها عن السير كانوا يفتشون النبوات فزاد اقتناعهم بأن الله مرشدهم . وعندما كان النجم ظاهرا أمامهم كعلامة خارجية كان في داخلهم برهان روح الرب الذي كان يقنع قلوبهم ويلهمهم بالرجاء . ومع أن الرحلة كانت طويلة وشاقة إلاّ أنها كانت لهم مبهجة وممتعة . ML 48.1

لقد وصلوا إلى أرض إسرائيل وها هم ينزلون في منحدر جبل الزيتون وقد انبسطت أمامهم مدينة أورشليم ، وإذا بالنجم الذي هداهم طول تلك الطريق المتعبة يستقر فوق الهيكل ، ثم يختفي عن أنظارهم بعد قليل. فبكل شوق ساروا مسرعين إلى الأمام وهم واثقون وموقنون بأن ميلاد مسيا سيكون هو الخبر المفرح على كل لسان . ولكن استعلاماتهم كانت عبثا ML 48.2

فإذ دخلوا المدينة المقدسة اتجهوا إلى الهيكل. ولكنهم لشدة دهشتهم يكتشفون أنه ليس هناك من يعرف شيئا عن الملك المولود . ولم يكن استفسارهم عنه ليوحي الفرح بل بالعكس الاستغراب والخشية والازدراء معا ML 49.1

فالكهنة يتلون التقاليد ويمجدون تدينهم وصلاحهم ، بينما هم يشهرون باليونانيين والرومان على أنهم وثنيون وخطاة دون جميع الناس. ولكن هؤلاء المجوس ليسوا عبدة أوثان بل هم في نظر الرب أرفع مقاما من هؤلاء الكهنة الذين كانوا يدعون أنهم يعبدون الله . إلاّ أن اليهود كانوا يعتبرون هؤلاء الرجال وثنيين . وحتى بين هؤلاء الذين أقامهم الله ليكونوا حراسا على كتابه المقدس لم يجد المجوس لأسئلتهم صدى ولا استجابة ML 49.2

لقد انتشر خبر قدوم أولئك المجوس في كل مدينة أورشليم ، وأثارت مهمتهم الغريبة اهتياجا بين الشعب ، فوصل الخبر إلى قصر الملك هيرودس ، فأثار هذا النبأ عن وجود منافس للملك ، نفس ذلك الأدومي الماكر. كان طريق ذلك الملك إلى العرش مخضبا بدماء الضحايا الذين لا يحصى عددهم . فلأنه لم يكن في الأصل يهوديا كان الشعب الذي تحت سلطانه يمقته . وكان أمنه الوحيد هو رضى روما . ولكن هذا الملك الجديد كان له حق أسمى وأعظم مما له ، فلقد ولد ليملك ML 49.3

اشتبه هيرودس في أن يكون الكهنة متآمرين مع أولئك الغرباء في إحداث ثورة عامة لخلعه عن العرش ، ولكنه أخفى شكوكه وعقد العزم على إحباط مؤامراتهم بمكر أعظم من مكرهم .وإذ استدعى رؤساء الكهنة وكتبة الشعب سألهم عما تقوله كتبهم المقدسة عن مكان ميلاد مسيا ML 49.4

هذا السؤال الذي جاء من مغتصب العرش بناء على طلب أولئك الغرباء طعن كبرياء أولئك المعلمين في الصميم. فعدم الاكتراث الذي بدا منهم وهم يتصفحون كتب الأنبياء أثار غضب ذلك الطاغية الحسود ، إذ ظن أنهم يحاولون إخفاء معرفة مكان الملك المولود. وبسلطان لم يسعهم إغفاله أو الاستخفاف به أمرهم أن يفحصوا بالتدقيق ويعلنوا عن مكان ميلاد مليكهم المنتظر ، “فقالوا له: “في بيت لحم اليهودية . لأنه هكذا مكتوب بالنبي: وأنت يا بيت لحم ، أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا ، لأن منك يخرج مدبّر يرعى شعبي إسرائيل” (متى 2 : 5، 6). ML 49.5