مشتهى الأجيال

32/684

مقابلة هيرودس

والآن ها هو هيرودس يدعو المجوس ليقابلهم سرا ، لقد كانت تعصف بقلبه عاصفة هائلة من الغضب والخوف. ولكنه تظاهر بالهدوء ورباطة الجأش أمام أولئك الغرباء فقابلهم بكل رقة ولطف ، وسألهم عن زمان ظهور النجم وادعى أنه يرحب بكل سرور بنبإ ميلاد المسيح . ثم قال لهم: “اذْهبوا وَاْفحصوا بِالتَّدقيق عنِ الصبِي . وَمَتى وَجدتُموهُ فَأَخبِروني ، لِكي آتي أَنا أَيضا وَأَسجد لَه” (كتة 2 : 8) . وإذ قال هذا صرفهم ليمضوا في سبيلهم إلى بيت لحم. ML 50.1

إن الكهنة وشيوخ إسرائيل لم يكونوا يجهلون مكان ميلاد المسيح كما كانوا يتظاهرون .فخبر ظهور الملائكة للرعاة كان قد وصل إلى أورشليم. ولكن معلمي اليهود قابلوه في غير اكتراث كما لو لم يكن جديرا باهتمامهم . كان بإمكانهم هم أنفسهم أن يجدوا يسوع ،وكان يمكنهم أن يتهيأوا لإرشاد المجوس إلى مكان ميلاده ، ولكن بدلا من هذا جاء المجوس ليسترعوا التفاتهم لميلاد مسيا فقالوا: “أَين هو اْلمولُودُ ملك اْليهودِ؟ فَإِنَّنا رَأَيَنا نَجمه في اْلمشرِقِ وَأَتيَنا لِنسجد لَه”. ML 50.2

إن الكبرياء والحسد قد أوصدا الباب حتى لا يدخل النور ، فلو أن الأخبار التي أتى بها الرعاة والمجوس صدقت لكانت قد وضعت كهنة إسرائيل ومعلميهم في مركز لا يحسدون عليه إذ كان ذلك يكّذب ادعاءهم بأنهم محامو حق الله. إن هؤلاء المعلمين المثقفين لم يتنازلوا حتى إلى قبول التعليم من أولئك الذين كانوا يدعونهم وثنيين . فقالوا إن الله لا يمكن أن يتخطاهم ليتصل بالرعاة السذج أو الأمم الغلف . لذلك عقدوا العزم على أن يعلنوا احتقارهم لتلك الأخبار المثيرة للملك هيرودس ولكل سكان أورشليم . ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الذهاب إلى بيت لحم ليتحققوا ما إذا كانت تلك الأخبار صحيحة أو غير صحيحة . وحملوا الشعب على اعتبار الاهتمام بيسوع اهتياجا منشأه التعصب . ومن هنا بدا رفض الكهنة والمعلمين للمسيح . ومن ذلك الحين زادت كبرياؤهم وصلابة قلوبهم إلى أن صارت كراهية للمخلص متأصلة في أعماقهم . فإذ كان الله يفتح الباب للأمم كان رؤساء اليهود يوصدون الباب في وجه أنفسهم. ML 50.3

رحل المجوس عن أورشليم وحدهم. وعند خروجهم من باب المدينة بدأت ظلمة الليل تغطي وجه الأرض ، ولكن ما كان أشد فرحهم حين رأوا مرة أخرى النجم الذي هداهم إلى بيت لحم. إنهم لم يكونوا قد تلقوا إعلانا من الله عن وضاعة الحالة التي قد ولد فيها يسوع كما أعلن للرعاة . فبعد تلك الرحلة الطويلة خاب أملهم بسبب عدم مبالاة قادة اليهود. وتركوا مدينة أورشليم وهم أقل ثقة مما كانوا عند دخولها . وفي بيت لحم لم يجدوا حراسا يقومون على حراسة الملك الوليد ، ولم يكن بين حاشيته أحد من وجهاء العالم وأشرافه ، بل كان يسوع مضجعا في المذود ، وكان أبواه اللذان كانا من القرويين البسطاء غير المتعلمين هما وحدهما يقومان على حراسته . فهل يمكن أن يكون هذا هو الذي كتب عنه أنه قد تعين “لإِقامة أَسباطِ يعقُوبَ ، وَرَدِّ محفُوظي إِسرائِيلَ” ، وليكون “نُورًا لِلأُممِ” وخلاصا “إِلى أَقصى الأَرْضِ” (إشعياء 49 : 6). ML 50.4