مشتهى الأجيال

29/684

إساءة فهم رسالته الحقيقية

ومع ذلك فإن مريم لم تكن تفهم رسالة المسيح. لقد تنبأ عنه سمعان بأنه سيكون نور إعلان للأمم تماما كما سيكون مجدا لشعب إسرائيل . وهكذا أعلنت الملائكة عن ميلاد المخلص كبشارة مفرحة لكل الشعوب . وقد كان الله يريد تصحيح الآراء اليهودية المتزمتة عن عمل مسيا . كان يريد أن ينظر الناس إليه لا لمجرد اعتباره مخلصا لإسرائيل وكفى بل على اعتباره فاديا للعالم . ولكن لابد من مرور سنين عديدة قبل أن تدرك حتى أم يسوع نفسها رسالته ML 44.3

كانت مريم تنظر إلى الأمام إلى ملك مسيا على عرش داود ، ولكنها لم تكن ترى صبغة الآلام التي لا يمكن الوصول إلى العرش بدونها. لقد أعلن على فم سمعان أن مسيا لن يجد طريقا سهلا ممهدا رحبا يسير فيه في العالم . وفي قوله الذي وجهه إلى مريم حين قال لها: “وَأَنت أَيضا يجوزُ في نَفسك سيفٌ” ، أعطى الله في رأفته أم يسوع تلميحا عن الآلام التي قد بدأت تجوز فيها لأجل اسمه ML 44.4

وقال سمعان أيضا: “ ها إِنَّ هَذا قَد وُضع لِسقُوطِ وَقيامِ كَثيرِين في إِسرائِيلَ ، وَلِعلامة تُقاوَمُ”. فالذين يريدون أن يقوموا ينبغي أن يسقطوا أولا . يجب أننا نسقط على الصخرة ونتحطم قبلما نقوم في المسيح . ينبغي أن تُخلع الذات عن عرشها وتوضع الكبرياء في الثرى إذا أردنا معرفة مجد الملكوت الروحي . إن اليهود قد رفضوا قبول الكرامة التي تُنال عن طريق التواضع ، ولذلك رفضوا قبول فاديهم . لقد كان هو الصخرة والعلامة التي قوبلت بالمقاومة ML 45.1

ثم يقول سمعان: “لِتُعَلن أَفكارٌ من قُلُوبٍ كَثيرةٍ” . ففي نور حياة المخلص أعلنت أفكار قلوب الجميع من الخالق نفسه إلى سلطان الظلمة . لقد صور الشيطان الله على أنه أناني وظالم ، وعلى أنه يطلب كل شيء ولا يعطي شيئاً ، وعلى أنه يطلب من خلائقه الخدمة والعبادة لمجد ذاته ولكنه لا يقدم على أية تضحية لخيرهم . ولكن عطية المسيح تكشف عن قلب الآب . إنها لتشهد أن الله مفتكر من جهتنا “أَفكارَ سلامٍ لاَ شَر” (إرميا 29 : 11). وهى تعلن أنه في حين أن كراهة الله للخطية قوية كالموت فإن محبته للخاطئ أقوى من الموت . وحيث قد شرع في فدائنا فلن يمسك عنا شيئا مهما عظمت قيمته ما دام لازما لإتمام مقاصد رحمته . فلا يحجز حق ما دام جوهريا لخلاصنا ، ولا تُهمل معجزة من معجزات الرحمة ، ولا تترك وسيلة إلهية دون استخدام . فالإحسانات والهبات تتكدس بعضها فوق بعض . إن خزانة الله تفتح على سعتها لأولئك الذين يطلب خلاصهم . فبعدما جمع كل كنوز المسكونة وفتح كل موارد قدرته غير المحدودة فهو يضع ذلك كله بين يدي المسيح قائلا: كل هذه لأجل الإنسان . فاستخدم كل هذه الهبات في إقناعه بأنه لا توجد محبة تفوق محبتي إن في الأرض أو في السماء . وهو سيجد أعظم سعادة في محبته لي. ML 45.2

وعند صليب جلجثة وقفت المحبة والأثرة وجها لوجه. فهناك كان ميدانهما الأخير لقد عاش المسيح ليعزي ويبارك وحسب . وفي تسليمه للموت أظهر الشيطان خبث عداوته لله ، إذ جعل هذا الحق واضحا وهو أن غايته الحقيقية من عصيانه كانت خلع الله عن عرشه وإهلاك ذاك الذي فيه قد أظهرت محبة الله. وحياة المسيح وموته أعلنت أفكار الناس أيضا . حيث من المذود إلى الصليب كانت حياة يسوع دعوة الناس إلى تسليم النفس والاشتراك في الآلام ، كما أنها كشفت نوايا الناس . لقد أتى المسيح بحق السماء وكل من أصغوا إلى صوت الروح القدس اجتُذبوا إليه . أما من كانوا يعبدون الذات فقد كانوا من رعايا مملكة الشيطان . ففي موقف الناس تجاه المسيح لابد أن كلا منهم يبرهن مع أي الجانبين يقف . وهكذا حكم كل واحد في أمر نفسه ML 45.3

في يوم الدينونة الأخير سيدرك كل إنسان هالك طبيعة رفضه للحق. وهناك سيقدم الصليب ، فكل عقل أظلمته المعاصي سيرى مقام الصليب . وأمام منظر جلجثة بذبيحها السري العجيب سيقف الخطاة مدانين . كل الأعذار الكاذبة ستعصف بها الرياح حينئذ ولن يكون لها وجود . وسيبدو ارتداد الناس كما هو في شناعته ، وسيرى الناس ماذا كان اختيارهم . إن كل تساؤل عن الحق والخطإ في الصراع الطويل المدى سيظهر حينئذ واضحا كل الوضوح . وفي دينونة الكون سيقف الله مزكى من كل لوم بالنسبة إلى وجود الشر واستفحاله . وسيعلن أن شرائع الله لم تكن هي سبب الخطية . إن حكم الله لم يكن فيه أي نقص ولا داعي للنفور . وعندما تنكشف كل أفكار القلوب فالأمناء والعصاة سيرددون هذا القول معا: “عادِلةٌ وَحقٌ هي طُرقُك يا ملك اْلقديسين ئ! . . . من لا يخافُك يارَبُّ وَيمجد اسمك؟ . . . لأَنَّ أَحكامك قَد أُظهِرتْ” (رؤيا 15 : 3، 4). ML 46.1