مشتهى الأجيال

310/684

درس في البساطة

إن ذاك الذي قد علم الشعب طريق الحصول على السلام والسعادة كان مهتما نفس الاهتمام بحاجاتهم الزمنية قدر اهتمامه بحاجاتهم الروحية. كان الناس متعبين ومعيين . كانت توجد أمهات يحملن أطفالهن على أذرعهن وأولاد صغار يتعلقون بأذيالهن. وقد ظل البعض واقفين على أقدامهم ساعات طويلة . وكانوا متلهفين لسماع أقوال المسيح فلم يفكروا قط في الجلوس . كان الجمع غفيرا حتى لقد كان يخشى لئلا يدوسوا بعضهم بعضا ، لهذا أراد يسوع أن يعطيهم فترة راحة فأمرهم بالجلوس . وكان تحت أقدامهم بساط كثيف من العشب الأخضر فكان يمكن للجميع أن يجلسوا ويستريحوا ML 343.3

إن المسيح لم يصنع قط معجزة إلا ليسد حاجة حقيقية. فكانت كل معجزة من شأنها أن ترشد الشعب إلى شجرة الحياة التي ورقها لشفاء الأمم . إن ذلك الطعام البسيط الذي قدمه التلاميذ للشعب الجائع كانت فيه كنوز غنية بالتعاليم . فذلك الطعام الذي أمكن تقديمه للشعب كان طعاما متواضعا ، حيث كان السمك وأرغفة الشعير هى الطعام اليومي الذي اعتاد جماعة الصيادين الساكنين بالقرب من بحر الجليل أن يتناولوه . لقد كان المسيح قادرا على أن يقدم للشعب طعاما فخما دسما ، ولكن مثل ذلك الطعام الذي كان الغرض منه التلذذ وإشباع النهم ما كان ليحمل دروسا نافعة ، علمهم المسيح في هذا الدرس أن المؤونة الطبيعية التي أعدها الله للناس قد فسدت . والناس لم يتلذذوا قط بالولائم الفخمة المعدة لإشباع الذوق الذي فسد بقدر ما تمتع هذا الشعب بالراحة والطعام البسيط الذي أعده المسيح في ذلك المكان المنقطع البعيد عن العمران . ML 344.1

لو كان الناس في هذه الأيام يمشون بالبساطة وفي حالة انسجام مع قوانين الطبيعة كما كان آدم وحواء في فجر التاريخ لَوجِد الكثير من المؤونة لسد حاجة الأسرة البشرية ، ولقلت المطاليب الوهمية ، وتوفرت فرص أخرى للعمل بالطرق المعينة من الله. ولكن الأنانية والانغماس في اللذائذ غير الطبيعية ، كل ذلك جلب على العالم الخطية والشقاء بسبب الإفراط من الجانب الواحد والعوز والفاقة من الجانب الآخر . ML 344.2

لم يكن يسوع يريد أن يجتذب الناس إليه بإشباع شوقهم إلى الرفاهية والتنعم. كذلك الطعام البسيط الذي قدمه لذلك الجمع العظيم المتعب الجائع بعد يوم طويل مثير ، كان برهانا لا على قدرته فحسب بل على رعايته الرقيقة في احتياجات الحياة اليومية . إن المخلص لم يمد تابعيه بتنعمات العالم فقد يكون نصيبهم بسيطا وشحيحا وقد يكون نصيبهم الفقر . ولكن كلمته كانت عهدا أخذه على نفسه بأنه سيسد احتياجهم بل لقد وعدهم بما هو أفضل جدا من كل البركات الدنيوية- وعدهم بالتعزية المرجوة من حضوره معهم. ML 344.3