مشتهى الأجيال

295/684

“كغنم في وسط ذئاب”

هنا نرى عين المخلص تخترق حجب المستقبل. فهو يرى الحقول الأكثر اتساعا التي سيكون التلاميذ شهودا له فيها بعد موته . لقد شملت نظرته النبوية اختبار خدامه مدى العصور كلها إلى أن يأتي في مجيئه الثاني . إنه يطلع تابعيه على المحاربات التي عليهم أن يواجهوها ويكشف لهم عن صفة تلك المعارك وخطتها ، كما يريهم المخاطر التي ستعترضهم وإنكار الذات المطلوب منهم . وهو يريدهم أن يحسبوا النفقة حتى لا يأخذهم العدو على حين غرة . إن مصارعتهم “ليست مع ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أفسس 6 : 12). عليهم أن يصارعوا مع قوات فوق قوة البشر ، ولكن الرب مع ذلك يعدهم بالمعونة الإلهية . كل أجناد السماء هم في هذا الجيش الذي يحارب إلى جانبهم . كما أن بين تلك الصفوف من هو أعظم من الملائكة . فالروح القدس نائب رئيس جند الرب ينزل ليقود المعركة. وقد تكون ضعفاتنا كثيرة ومحزنة ، وقد تكون خطايانا وأخطاؤنا شنيعة ولكن نعمة الله تقدم لكل من يطلبونها بانسحاق . إن قوة الله القادر على كل شيء هي في صف كل من يثقون به. ML 328.2

قال يسوع: “ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام” (متى 10 : 16). إن المسيح نفسه لم يخف أي جزء من الحق ولكنه كان دائما ينطق به في محبة . في حديثه مع الشعب استعمل أحسن لباقة وأعظم اهتمام رقيق رصين. فلم يكن قط فظا ولا نطق بكلمة قاسية البتة بدون مبرر ، كلا ولا آلم نفسا حساسة إطلاقا من دون داع . لم ينتقد الناس على ضعفهم . ولكنه كان يذم الرياء وعدم الإيمان والإثم بلا خوف ، إلا أن دموعه كانت تخنق صوته . بكى على أورشليم التي أحبها لأنها رفضت قبوله بوصفه الطريق والحق والحياة . لقد رذلوه بوصفه المخلص و لكنه كان رقيقا ومحبا لهم جدا ، وكأن حزنه عليهم من شدة العمق بحيث سحق قلبه . لقد كانت كل نفس عزيزة في عينيه ، ومع أنه كان دائما يحمل في نفسه الجلال الإلهي فقد كان بكل تقدير ورفق ينحني لمساعدة كل فرد في أسرة الله . كان يرى في الجميع نفوسا ساقطة كان هو مكلفا بتخليصها. ML 329.1

على عبيد المسيح ألا يطيعوا توجيهات القلب الطبيعي. إنهم بحاجة إلى الشركة الوثيقة مع الله لئلا إذا أثيروا ترتفع الذات وتشمخ فيصبون سيلا من الكلام غير اللائق الذي لا يشبه الندى أو المطر الهادئ المحيي للأغراس الذابلة . هذا ما يريدهم الشيطان أن يفعلوه لأن ذلك هو أسلوبه . إن التنين هو الذي يغضب ، وروح الشيطان هي التي تعلن عن نفسها في الغضب والاتهام ، أما عبيد الله فهم ممثلوه . وهو يريدهم أن يتعاملوا مع الناس بمعاملة السماء وحدها وبالحق الذي يحمل صورة الله واسمه . إن القوة التي بها يغلبون الشر هي قوة المسيح . إن مجد المسيح هو قوتهم ، وعليهم أن يثبتوا أنظارهم فيه ليتمتعوا بجماله . وحينئذ يمكنهم أن يقدموا الإنجيل باللباقة واللطف الإلهيين . إن الروح التي تظل لطيفة ورقيقة أمام الإغاظات سيكون كلامها مؤثرا وفعالا في جانب الحق أكثر من أية حجة مهما تكن قوية أو مقنعة. ML 329.2

والذين يلتزمون أن يواجهوا أعداء الحق ويشتبكوا معهم في مشادة عليهم أن يواجهوا لا الناس فقط بل أيضاً الشيطان وأعوانه. فليذكر أمثال هؤلاء ما قاله المخلص : “ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب” (لوقا 10 : 13). وليستريحوا في محبة الله فيحفظ أرواحهم هادئة حتى ولو وقعت عليهم إهانات . إن الرب سيسلحهم بسلاحه الكامل ، وروحه القدوس سيضبط العقل والقلب بحيث لا تصير أصواتهم كعواء الذئاب بل كهديل الحمام. ML 329.3

استطرد يسوع في إلقاء توجيهاته للتلاميذ فقال: “ احذروا من الناس” (متى 10: 17). لم يكن لهم أن يثقوا ثقة عمياء في من لم يعرفوا الله أو يطلعوهم على مقاصدهم لأن ذلك يكون في مصالح أعوان الشيطان . إن ابتكارات الإنسان كثيرا ما تناقض تدابير الله . والذين يبنون هيكل الله عليهم أن يبنوه حسب المثال الذي أظهر في الجبل- حسب المثال الإلهي . إن الله يهان والإنجيل يفشى سره ويغدر به عندما يعتمد عبيد الله على مشورة من لا يسيرون حسب إرشاد الروح القدس . إن الحكمة البشرية هي جهالة في نظر الله فالذين يعتمدون عليها يخطئون لا محالة . ML 330.1