مشتهى الأجيال
طالب مركز
وفيما كان يسوع يعد تلاميذه ليضطلعوا بالعمل إذا بواحد لم يدع ليكون تلميذا يفرض نفسه عليهم ليكون واحدا منهم. ذاك كان يهوذا الإسخريوطي الذي اعترف بأنه تابع للمسيح . فتقدم إلى الأمام طالبا أن يفسح له المجال بين هؤلاء التلاميذ الأخصاء ، وبغيرة عظيمة وإخلاص ظاهري أعلن قائلا للمسيح: “يا معلّم، أتبعك أينما تمضي” فلم يصده يسوع ولا رحب به ، ولكنه فقط نطق بهذا القول الحزين: “للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه” (متى 8 : 19 و 20). آمن يهوذا بأن يسوع هو مسيا ، وإذ انضم إلى الرسل كان يرجو أنه سيضمن لنفسه مكانة سامية في الملكوت الجديد ، فقصد المسيح أن يبتر هذا الأمل عندما قرر أنه فقير لا يجد مكان يسند إليه رأسه. ML 269.2
كان التلاميذ يتوقون إلى أن يصير يهوذا واحدا منهم. لقد كانت له هيئة آمرة ، وكان فطنا وله مقدرة على الإدارة والتنفيذ ، فامتدحوه لدى يسوع كمن يستطيع أن يقدم له عونا كبيرا في عمله . وقد أدهشتهم عدم ترحيب يسوع به. ML 269.3
كان التلاميذ يحسون بخيبة أمل عظيمة لأن يسوع لم يحاول الظفر بتعاون رؤساء إسرائيل معه. كما أحسوا أنه من الخطأ ألا يدعم رسالته بمعاضدة أولئك الزعماء ذوي النفوذ العظيم . فلو كان قد طرد يهوذا فكانوا يتساءلون فيما بينهم وبين أنفسهم عن السر في ذلك بل كانوا يشكون في حكمة معلمهم . ولكن حياة يهوذا بعد ذلك برهنت لهم على خطر إقامة وزن لأي اعتبار دنيوي في تقرير لياقة أي إنسان للقيام بعمل الله . إن تعاون مثل هؤلاء الناس الذي كان التلاميذ يشتاقون للحصول عليه كان معناه تسليم العمل الإلهي لأيدي ألد الأعداء. ML 270.1
ومع ذلك فإن يهوذا حين انضم إلى التلاميذ لم يكن عديم الإحساس بجمال صفات المسيح. فلقد أحس بتأثير تلك القوة الإلهية التي كانت تجتذب النفوس إلى المخلص . إن ذاك الذي لم يأت ليقصف قصبة مرضوضة أو ليطفئ فتيلة مدخنة لم يرد أن يطرد هذه النفس عندما وجد عندها رغبة ضئيلة للوصول إلى النور . لقد عرف المخلص قلب يهوذا، كما عرف أعماق وهدة الإثم التي كان مزمعا أن ينحدر إليها ما لم تتداركه نعمة الله . وإذ ربط هذا الإنسان بشخصه جعله في وضع خاص بحيث يمكنه يوما بعد يوم أن يبقى على اتصال بسيول محبة يسوع الدافقة التي لا تعرف الأثرة . فلو فتح قلبه للمسيح فإن النعمة الإلهية ستطرد من قلبه شيطان الأنانية ، وحتى يهوذا نفسه يمكن أن يكون أحد رعايا ملكوت الله. ML 270.2