الصراع العظيم

189/424

اظلام الشمس والقمر

وبعد ذلك بخمس وعشرين سنة ظهرت العلامة التالية المذكورة في النبوة، أي اظلام الشمس والقمر. والذي زاد من الدهشة عند ظهور هذه العلامة هو حقيقة كون وقت اتمامها كان قد أشير اليه بكل وضوح وأنبئ به . ففي حديث المسيح مع تلاميذه على جبل الزيتون، اذ وصف لهم المحنة الطويلة التي ستمر بها الكنيسة — أي مدة ١٢٦٠ سنة من الاضطهاد البابوي، والتي قال فيها السيد أن مدة الضيق ستقصر — ذكر بعض العلامات الخاصة التي ستسبق مجيئه، وحدد الزمن الذي ستحدث فيه أولى تلك الحواث فقال : ”وأما في تلك الايام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه“ (مرقس ١٣ : ٢٤ ). ان ال ١٢٦٠ يوما أو سنة انتهت في عام ١٧٩٨. وقبل ذلك بربع قر ن كان الاضطهاد قد أوشك على الانتهاء . وبحسب كلام المسيح كان سيعقب هذا الاضطهاد اظلام الشمس. ففي التاسع عشر من أيار (مايو) عام ١٧٨٠ تمت هذه النبوة. GC 340.2

”ان يوم الظلام الذي وقع في ١٩ أيار (مايو) عام ١٧٨٠ يكاد يكون يوما فريدا ان لم يكن هو اليوم الاوحد اطلاقا كأعظ م يوم غامض في الظاهرة التي لم يجد الناس لها تفسيرا بعد ... فلقد شملت كل السموات المنظورة والجو في نيو انجلند ظلمة لم يعرف مأتاها ولا أمكن التعليل عنها“ (٢٨٧). GC 341.1

ويصف شاهد عيان ممن كانوا يعيشون في مساشوستس ذلك الحادث بقوله: GC 341.2

”في الصباح أشرقت الشمس صافية ولكن سرعان ما شملها الظلام. صارت السحب منخفضة وهي اذ كانت سوداً ومنذرة بالخطر كما بدا عليها حالا لمعت منها البروق ودمدمت الرعود وانهمر مطر قليل. وحوالي الساعة التاسعة صارت السحب أقل كثافة، وصار منظرها كالنحاس الاصفر أو الاحمر، فتغيرت مناظر الارض والصخور والاشج ار والمباني والماء والناس بفعل ذلك النور الغريب الذي ليس من الارض. وبعد دقائق قليلة انتشرت سحابة سوداء في الجو كله باستثناء حيز صغير جدا في الافق. وكانت الدنيا ظلاما كما تكون عادة في الساعة التاسعة من احدى ليالي الصيف... GC 341.3

”وبالتدريج امتلأت عقول الناس بالخو ف والجزع والرهبة. وقد وقفت النساء أمام أبوابهن ينظرن الى ذلك المنظر المظلم، وعاد الرجال من عملهم في الحقول، والنجار ترك أدوات نجارته، والحداد ترك كوره، والتاجر ترك متجره. وقد صُرف التلاميذ من مدارسهم ليعودوا الى بيوتهم فعادوا مرتعبين، والمسافرون لجأوا ا لى أقرب مزرعة . وتردد هذا السؤال على كل لسان وفي كل قلب: ”ما الذي سيحدث؟“ وقد بدا كأن إعصارا موشك أن يهب على البلاد، أو كأن هذا اليوم هو يوم نهاية كل شيء. GC 341.4

”وقد أضيئت الشموع وأوقدت نيران المواقد التي أرسلت نورها كما في ليلة من ليالي الخريف لا قمر فيها .. .وعادت الدواجن الى صغارها لتهجع وتنام، والمواشي تجمعت في مراعيها وجعلت تخور، والضفادع جعلت تنقنق، والطيور بدأت تنشد اغنيات المساء، وجعلت الخفافيش تطير هنا وهناك. أما بنو الانسان فكانوا يعلمون أن الليل لم يأت بعد... GC 342.1

”أقام الدكتور نثنائيل هويتيكر، راعي كنيسة التابرناكل في ساليم، خدمات دينية في بيت الصلاة وألقى عظة فيها أعلن أن الظلمة فائقة الطبيعة. وأقيمت اجتماعات أخرى في أماكن متعددة. وكانت الآيات التي بنيت عليها العظات المرتجلة قد أجمعت كلها على أن تلك الظلمة كانت متفقة مع النبوات الكتابية ... وقد زاد ادلهمام الظلمة حالا بعد الساعة الحادية عشرة“ (٢٨٨). ”وفي معظم أنحاء البلاد كان الظلام كثيفا بحيث لم يكن أحد يستطيع أن يتبين الوقت لا من الساعات الصغيرة ولا م ن ساعات الحائط، ولا أن يتناول غداءه أو يدير شؤون بيته من دون استخدام أنوار الشموع... GC 342.2

كان ذلك الظلام واسع النطاق . وقد لوحظ أنه امتد حتى الى فالموث شرقا. أما في الغرب فقد وصل الى أبعد أطراف كنكتكوت والى ألباني. وفي الجنوب رؤي على شواطئ البحر. وفي الشمال امتد الى أقصى حدود أماكن الاستيطان الامريكية“ (٢٨٩). GC 342.3