الصراع العظيم

132/424

نبيل يحمل الشعلة

ولم يكن المحتقَرون والفقراء وحدهم هم الذين تجرأوا على أن يشهدوا للمسيح في وسط الآلام والاحتقار . ففي قلاع الاشراف وفي قصر الملك كانت توجد نفوس ملكية تقدر الحق أكثر من تقديرها الثروة والمراكز، وحتى الحياة نفسها. كان سلاح المُلك يخفي تحته روحا أعلى وأثبت مما يخفي رداء الاسقف وتاجه. GC 240.1

كان لويس دي بركين من أصل عريق، فارسا شجاعا ولطيفا كرس وقته للدرس، ومهذبا في عاداته وبلا لوم في اخلاقه وآدابه . وقد قال عنه أحد الكتَّاب: ”لقد ك ان تابعا أمينا للشرائع البابوية ومواظبا على حضور القداسات والاستماع الى العظات ... وقد توج كل فضائله الاخرى ببغضه لمبادئ لوثر ومقته اياها مقتا شديدا“. ولكن اذ قادته عناية الله الى الكتاب المقدس ككثيرين غيره من الناس فقد أدهشه أن يرى فيه ”لا تعاليم روما بل تعاليم لوثر“ (١٩٠). فمنذ ذلك الحين كرس نفسه تكريسا كاملا لقضية الانجيل. GC 240.2

كان ”أعظم عالم بين نبلاء فرنسا“، وان ذكاءه وفصاحته وشجاعته التي لا تُقهر وغيرته وبسالته، ونفوذه في البلاط الملكي لانه كان من أعز أصدقاء الملك كل ذلك جعل كثيرين يعتقدون أنه سيكون مصلح البلاد . وقد قال بيزا: ”كان في وسع دي بركين أن يكون لوثر الثاني لو كان الملك فرنسيس الاول شبيها بمنتخب سكسونيا“. وقد صاح البابويون قائلين: ”انه شر من لوثر“ (١٩١). وفي الحق ان الكاثوليك في فرنسا كانوا يخافونه أكثر من خوفهم لوثر، فألقوه في السجن بتهمة كونه هرطوقيا، لكنّ الملك أطلق سراحه . وظل الصراع محتدما عدة سنين، واذ كان الملك فرنسيس يتأرجح بين روما والاصلاح كان أحياناً يتسامح مع الرهبان وأحياناً يكبح غيرتهم العنيفة . وقد سجنت السلطات البابوية دي بركين ثلاث مرات، وفي كل مرة كان يُطلق س راحه بأمر الملك الذي إذ كان معجباً بذكائه ونبوغه ونبل أخلاقه رفض أن يتركه ضحية لخبث حكومة البابا وضغائنها. GC 240.3

أما دي بركين فقد أنذر مرارا بالخطر الذي كان يتهدده في فرنسا، وألح عليه أصدقاؤه أن يتأثر خطوات الذين وجدوا النجاة في النفي الاختياري. فاراسمس المتهيب المساير للظروف، الذي مع علمه ولوذعيته العظيمة أخفق في الوصول الى تلك العظمة والسمو الخلقي الذي يجعل الحياة والشرف خادمين للحق، كتب الى دي بركين يقول: ”أُطلب أن يرسلوك سفيرا في دولة أجنبية. اذهب وسافر في أنحاء الماني ا. أنت تعرف بيدا، ورجل مثله هو تنين ذو ألف رأس ينفث سمومه في كل مكان . ان أعداءك يُسمّون لَجِئون . ولو ان قضيتك أفضل من قضية يسوع المسيح فلن يتركوك تفلَت بل سيفتكون بك فتكا ذريع ا. لا تمعن في الثقة بحماية الملك . وعلى كل حال لا تعرضني للخطر مع كلية اللاهوت“ (١٩٢). GC 241.1