الصراع العظيم

133/424

المخاطر تتكاثر

ولكن اذ تكاثرت المخاطر وتفاقمت الاهوال زادت غيرة دي بركين وقوته. فبدلا من اتباع مشورة إراسمس السياسية المنطوية على خدمة الذات، عزم على اتخاذ اجراءات أعظم جرأة . ولم يقنع بالدفاع عن الحق بل هاجم الضلالات . فتهمة الهرطقة التي حاول الكاثولي ك أن يلصقوها به ألصقها هو بهم . وقد كان ألد أعدائه وأنشطهم هم الاساتذة المثقفون ورهبان القسم اللاهوتي في جامعة باريس العظيمة التي كانت من أسمى المراجع الاكليريكية في المدينة وفي الامة . وقد استخلص دي بركين من كتب أولئك العلماء اثنتي عشرة قضية جاهر بانها ”مخالفة للكتاب المقدس وهرطوقية“، والتمس من الملك أن يكون حكما في ذلك الصراع. GC 241.2

واذ لم يكن الملك ينفر ابراز قوة أولئك المناضلين وذكائهم، بل فرح لان الفرصة قد سنحت له لاذلال كبرياء أولئك الرهبان المتعجرفين، أمر الكاثوليك أن يدافعوا عن قضيتهم ببراهين من الكتاب المقدس . كانوا يعرفون جيدا أن هذا السلاح لن يفيدهم كثيرا، أما السجن والتعذيب والحرق بالنار فكانت هي الاسلحة التي عرفوا جيدا كيف يحسنون استخدامه ا. والآن فها هي الدائرة تدور عليهم اذ رأوا أنفسهم موشكين على السقوط في الهوة التي كانوا يحاولون إسقاط دي بركين فيها. ففي حيرتهم وذهولهم جعلوا يتلفتون حولهم طلبا للنجاة GC 241.3

”في ذلك الوقت نفسه شوهد تمثال للعذارء في زاوية أحد الشوارع مشوها ومبتورا“، فحدث شغب عظيم في المدينة . وتقاطرت جماهير الناس الى ذلك المكان وهم يعبرون عن حزنهم وغضبه م. وكذلك الملك تأثر تأثرا عميق ا. وصاحوا قائلين: ”هذه هي ثمار تعاليم دي بركين“ ثم قالوا: ”ان كل شيء مصيره الى الدمار — الدين والشرائع والعرش نفسه — بسبب مؤامرة لوثر“ (١٩٣). GC 242.1

وقُبض على دي بركين مرة أخرى . أما الملك فانسحب من باريس، وهكذا تُركت للرهبان الحرية لاتمام أغراضهم . فحوكم هذا المصلح وحكم عليه بالموت، وحتى لا يتدخل فرنسيس لانقاذه نُفذ فيه حكم الموت في يوم النطق بالحكم نفسه. ففي ظهر ذلك اليوم سيق إلى ساحة الاعدام حيث اجتمعت جموع كثيرة لمشاهدة ذلك الحدث . وكثيرون رأوا بدهشة وتشاؤم ان هذه الضح ية قد اختيرت من بين أفضل وأشجع الاسر النبيلة في فرنس ا. وقد غشيت وجوه تلك الجموع الصاخبة سحب الذهول والغضب والاحتقار والكراهية المرة . لكنّ وجها واحدا كان صافيا لم يعكره شيء . لقد طارت أفكار ذلك الشهيد بعيدا من منظر ذلك الشغب فلم يكن يحس بغير حضور سيده وربه. GC 242.2