خواطر من جبل البَرَكَة
6—العـَمـَل لا الإدانة
« لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا » (متى 7: 1)
إنّ محاولة الناس أن يحصلوا على الخلاص بالأعمال يقودهم بالضرورة إلى أن يكوّنوا أوامر وفرائض بشرية كسياج يمنع الخطية. لأنّهم إذ يرون أنّهم عاجزون عن حفظ الناموس يبتكرون قوانين وتنظيمات من عندهم ليرغموا أنفسهم على الطاعة. ولكن هذا كله يحوّل الفكر بعيداً عن الله إلى الذات. فمحبته تموت وتتلاشى من القلب وتتلاشى معها المحبة لبني جنسهم. هذا وإنّ نظاما من اختراع الناس بتقييداته التي لا تُحصى يقود من يدافعون عنه ويناصرونه لأن يدينوا كل من يقصرون دون بلوغ ذلك المقياس البشرى المقرّر. إنّ جو الانتقاد الأناني الضيق المتزمت يخنق الانفعالات النبيلة الكريمة ويصير الناس قضاة معتدين بذواتهم وجواسيس منحطين. ArMB 59.1
وكان الفريسـيون من هـذا الفـريق. لقـد خـرجـوا من خــدماتهم الدينية، لا متضعين يحسّون بضعفهم، ولا شاكرين على الامتيازات العظيمة التي قد منحهم الله إياها. ولكنّهم خرجوا وهم ممتلئون بالكبرياء الروحية، وكان موضوع حديثهم وتفكيرهم هو هذا: « نفسي، مشاعري، معرفتي، طرقي ». وقــد صـارت معلـومــاتهم هي المقيـاس الذي بمـوجبــه دانـوا الآخــرين. وأذ تسـربلوا بثياب العظمة الذاتية، قفزوا إلى كرسي الحكم لينتقدوا ويدينوا. ArMB 59.2
وقد اشترك الشعب في نفس هذه الروح إلى حدّ كبير، مقتحمين منطقة الضمير، وكانوا يدينون أحدهم الآخر في مسائل واقعة في منطقة علاقة النفس بالله. وبالإشارة إلى هذه الروح وهذا العمل قال يسوع: « لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا ». أي، لا تقم نفسك مثالا أو نموذجا يُحتذى. لا تجعل آراءك وأفكارك عن الواجب وتفسيراتك للكتاب مقياسا للآخرين، وتدينهم في قلبك إذا لم يبلغوا إلى مثالك. لا تنتقد الآخرين فتخمن عن بواعثهم وتصدر عليهم حكمك. ArMB 59.3
« لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ » (1 كورنثوس 4: 5). لا يمكننا معرفة خفايا القلب. وحيث أنّنا مخطئون فلسنا مؤهلين لأن نجلس حكاما على الآخرين. إنّ الناس المحدودين يمكنهم أن يحكموا فقط من المظهر الخارجي. أمّا ذاك الذي هو وحده دون سواه يعرف منابع العمل الخفيّة والذي يعامل الناس بالرفق والرأفة، فله يُعطى أن يقرّر حالة كل نفس. ArMB 59.4
« لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا » (رومية 2: 1). وهكذا الذين يدينون الآخرين أو ينتقدونهم يعلنون أنهم هم أنفسهم مذنبون لأنّهم يفعلون تلك الأمور بعينها. فإذ يدينون الآخرين فهم إنّما يصدرون الحكم على أنفسهم والله يعلن أنّ هذا الحكم عادل. وهو يقبل ما يحكمون به على أنفسهم. ArMB 59.5
« هذه الأقدام السمجة التي لا تزال في
الحمأة تسير وتسحق في طريقها أزهارا
بلا نهاية وهذه الأيدي القاسية تدخلها
بحســن نيــة بين أوتــار قلــب صـديق »
ArMB 60.1