خواطر من جبل البَرَكَة
« مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا » (لوقا 11: 2)
إنّ يسوع يعلمنا أن ندعو أباه أباً لنا. إنّه لا يستحي من أن يدعونا إخوة (عبرانيين 2: 11). إنّ قلب المُخَلِّص مستعدّ ومشتاق جدّا لأن يرحب بنا كأعضاء في أسرة الله حتى انّه في أول كلام نستعمله في التقرّب من الله يقدم لنا يقين علاقتنا بالله، فنقول: « أَبَانَا ». ArMB 51.1
هنا إعلان عن ذلك الحق المدهش المفعم بالتشجيع والعزاء وهو أنّ الله يحبنا كما يحب ابنه. هذا ما قاله يسوع في صلاته الأخيرة لأجل تلاميذه. « أَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي » (يوحنا 17: 23). ArMB 51.2
إنّ العالم الذي ادّعاه الشيطان لنفسه وتسلّط عليه بطغيانٍ قاسٍ، أحاطه ابن الله بمحبته بعمل واحد عظيم وجليل وربطه بعرش الله ثانية. إنّ الْكَرُوبِيم والسَّرَافِيم وخلائق أخرى لا تحصى من كل العوالم غير الساقطة تغنت بأغاريد الحمد لله وللحمل عندما تحققت هذه النصرة. لقد فرحوا لأن طريق الخلاص قد فتح للجنس الساقط ولأن الأرض ستُفتدى من لعنة الخطية. فكم بالحري يجب أن يفرح الذين هم موضوع تلك المحبة المذهلة! ArMB 51.3
وكيف يمكننا أن نكون في شك وحيرة ونحسّ بأننا يتامى؟ لقد اتخذ يسوع الطبيعة البشرية لأجل من قد تعدوا الشريعة، لقد صار مثلنا ليكون لنا سلام ويقين أبديان. إنّ لنا في السَّمَاوَات شفيعا، وكل من يقبله كمخلصه الشخصي لا يترك يتيما ليحمل عبء خطاياه. ArMB 51.4
« أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ » « فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ » « وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ » (1 يوحنا 3: 2؛ رومية 8: 17). ArMB 51.5
إنّ أول خطـوة في الاقتراب إلى الله هي أن نعـرف ونؤمـن بالمحبة التي يكنّـها لنـا (1 يوحنا 4: 16). لأنَّه عن طـريق جـاذبية محبتـه نرشـد لنأتي إليه. ArMB 51.6
إنّ إدراكنا لمحبة الله يعمل على نبذ الأنانية. فإذ ندعو الله أباً لنا فإننا نعترف بأنّ كل أولاده أخوة لنا. فنحن جميعنا جزء من نسيج البشرية العظيم وكلنا أعضاء في أسرة واحدة. وفي صلواتنا وتوسلاتنا يجب أن ندرج أقرباءنا كأنفسنا. إنّ من يطلب بركة لنفسه فقط لا يصلي حسناً. ArMB 51.7
قال يسوع إنّ الإله السرمدي يعطيكم امتياز الاقتراب منه باسم الآب. فافهموا فحوى كل ذلك. لم يحدث قط أنّ أباً بشرياً توسّل بغيرة وحرارة إلى ابنه المخطئ كما يتوسّل من قد خلقكم إلى العاصي. ولم يحدث أنّ اهتماماً بشرياً محباً اتبع الخاطئ غير التائب بمثل هذه الدعوات الرقيقة. إنّ الله يسكن في كل بيت، ويسمع كل كلمة تقال ويصغي إلى كل صلاة تقدّم ويذوق أحزان كل نفس ومفشلاتها ويلاحظ المعاملة التي يعامل بها الآب والأم والأخت والصديق والقريب. إنّه يهتم بحاجاتنا. ومحبته ورحمته ونعمته تفيض بلا انقطاع لتملأ حاجاتنا. ArMB 51.8
ولكن إذا كنتم تدعون الله أباً لكم فأنتم تعترفون بأنّكم أولاده وأنكم تنقادون بحكمته وأنكم ستكونون مطيعين في كلّ شيء عالمين أنّ محبته لا تتغير. وستقبلون تدبيره الذي أعده لحياتكم. وكأولاد الله ستعتبرون كرامته وصفاته وأسرته وعمله موضوع أعظم اهتمامكم. وسيكون من دواعي فرحكم أن تعترفوا بعلاقتكم بأبيكم وتحترموها وكذلك علاقتكم بكل فرد من أفراد عائلته. وستفرحون حين تقومون بأي عمل مهما يكن وضيعا إذا كان يؤول لمجده ولخير أقربائكم. ArMB 51.9
« الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ ». إنّ ذاك الذي يأمرنا المسيح أن ننظر إليه على أنه « أبونا » هو « فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ». وتحت رعايته يمكننا أن نستريح باطمئنان قائلين: « يَوْمِ خَوْفِي، أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ » (مزمور 115: 3، 6؛ 3:56). ArMB 52.1