خواطر من جبل البَرَكَة
« لاَ تَهْتَمُّوا (لا تقلقوا) » (متى 6: 25)
إنّ من قد منحك الحياة يعرف حاجتك إلى الطعام لإعالتها. والذي خلق الجسد ليس غافـلاً عن حاجتك إلى اللبس. فهل ذاك الذي قد منح العطية الأعظم لا يمنح أيضا ما يحتاج إليه لجعلها كاملة. ArMB 46.4
إنّ يسوع وجه أنظار سامعيه إلى الطيور وهي تغرد أغاريد الحمد وهي غير مرتبكة بأفكار الهموم، لأنها « لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ » ومع ذلك فالآب العظيم يدبر لها كل احتياجاتها. وهو يسأل قائلا: « أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا » (متى 6: 36). ArMB 46.5
« إنه لا يسقط عصفور بدون رعايته ولا
تنحني نفس منسحقة إلا ويعرف يسوع
ذلك لأنَّه معنا في كل مكان ويراقـب
كـل دمعة حزن تنسكب وهو لن ولـن
ولن يترك النفــس التي تثق به أبـداً . »
ArMB 47.1
كانت سفوح التلال والحقول مزدانة بالأزهار، فإذ أشار يسوع إليها في نضرة الصباح الندية قال: « تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو » (متى 6: 28). يمكن تقليد أشكال النباتات والزهور الجميلة وألوانها البديعة بواسطة المهارة البشرية، ولكن أية لمسة يمكنها أن تمنح الحياة لزهرة واحدة أو ورقة واحدة من أوراق النبات؟ إنّ كل زهرة نابتة بجانب الطريق مدينة بكيانها لنفس القوة التي نظمت عوالم الأفلاك في علياء السماء. ففي كل الخلائق تهتز وتختلج نبضة الحياة الواحدة من قلب الله العظيم. فهو بيده قد ألبس زنابق الحقل حللا أغلى وأبهى من كل ما ازدانت به أجسام ملوك الأرض، « فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ » (متى 6: 30) ArMB 47.2
فالـذي خلـق الأزهـار وعلمَّ العصفـور أغنيته يقول: « تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ » « اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ ». يمكنك أن تتعلم من جمال أشياء الطبيعة شيئاً أكثر عن حكمة الله مما يستطيع أن يعرفه أساتذة المدارس. ولقد كتب الله على أوراق الزنبقة رسالة لك — وهي مكتوبة بلغة يمكن لقلبك أن يقرأها على قدر ما ينسى ويجهل دروس الشكّ والأنانية والهم المُضني. لماذا أعطاك الطيور المغردة والأزهار اللطيفة إلاّ من فيض محبة قلب الآب لكي ينير ويبهج طريقك في الحياة. إنّ كل ما كان لازماً للوجود كان يمكن أن يكون لك بدون الأزهار والأطيار، ولكن الله لم يقنع بإمدادك بما يلزم لمجرد الوجود. لقد ملأ الأرض والهواء والجو بلمحات من الجمال ليخبرك عن تفكيره الحبّي فيك. إنّ جمال كل الخلائق إن هو إلاّ شعاعة من مجده المتألق. فإن كان قد أغدق مثل هذا الحذق على أشياء الطبيعة لأجل إسعادك وفرحك فهل تشكّ في انّه سيمنحك كل بركة تحتاجها؟ ArMB 47.3
« تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ ». إنّ كل زهرة تفتح براعمها لإشراقة الشمس إنمّا تطيع نفس النواميس العظيمة التي تهدي الكواكب، وما أبسط وأجمل وأحلى حياتها! فبواسطة الأزهار يريد الله أن يوجّه انتباهنا إلى جمال الخلق المسيحي. إنّ من قد أعطى للأزهار مثل هذا الجمال يريد بالأحرى أن تكتسي النفس بجماله صفات المسيح. ArMB 47.4
يقول المسيح: تأمّلوا الزنابق كيف تنمو، كيف أن النباتات وهي تخرج من الأرض الباردة المظلمة أو من الطين الذي يوجد في قاع النهر تتفتح عن جمال وأريج. من يحلم بإمكانيات الجمال في بصلات الزنبقة الخشنة الداكنة الاحمرار؟ ولكن عندما تتفتح الحياة التي خبأها الله فيها عند ندائه في المطر ونور الشمس يتعجب الناس من منظر بهائها وجمالها. وهكذا ستتفتّح حياة الله في كل نفس بشرية تسلم ذاتها لخدمة نعمته التي وهي مجانية كالمطر ونور الشمس تجيء ببركتها للجميع. إنّ كلمة الله هي التي تخلق الزهور، ونفس هذه الكلمة ستخلق فيك فضائل روحه. ArMB 47.5
إنّ ناموس الله هو ناموس المحبة. لقد أحاطك بالجمال لكي يعلمك إنّك لم توضع على الأرض لتتعب لأجل الذات فقط وتحفر وتبني وتكدّ وتغزل بل لتجعل الحياة المشرقة ومفرحة وجميلة بمحبة المسيح — كالزهور، لتفرح حياة أناسٍ آخرين بخدمة المحبة. ArMB 47.6
أيّها الآباء والأمهات اجعلوا أولادكم يتعلمون من الزنابق والزهور. خذوهم معكم إلى الحدائق والحقول وتحت الأشجار المورقة وعلموهم أن يقرأوا في الطبيعة رسالة محبة الله. وليرتبط ويقترن الفكر عنه بالأطيار والأزهار والأشجار. أرشدوا أولادكم لأن يروا في كل شيء مفرح وجميل تعبيرا عن محبة الله لهم. امتدحوا دينكم لهم بلطفه وحسنه. وليكن ناموس اللطف على شفاهكم. ArMB 48.1
علّموا الأولاد انّه بسبب محبة الله العظيمة يمكن أن تتغيّر طبائعهم وتصير على وفاق مع طبيعته. علموهم انّه يريد أن تكون حياتهم جميلة بجمال الأزهار. علموهم وهم يقطفون الأزهار الجميلة إنّ ذاك الذي خلق الأزهار هو أجمل منها. وهكذا تلتف خراعيب قلوبهم حوله. إنّ ذاك الذي « كُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ » سيصير رفيقـهم اليومي وصديقهم الحميم، فتتغير حياتهم إلى صورة طهارته. ArMB 48.2