قِصَّة الفداء

102/229

التجلِّي

لقد تقوَّى إيمان التلاميذ كثيرًا في حادثة التجلِّي، حين سُمِحَ لهم أنْ يشاهدوا مجد المسيح ويسمعوا الصوت الذي أتى مِن السماء ليشهد لصفاته الإلهيَّة. لقد اختار الله أنْ يُعطي أتباع يسوع بُرهانًا قويًّا على أنَّه هو المسيَّا المُنتظَر، وذلك كي لا يفقدوا ثقتهم بالكامل أثناء حُزنهم المرير وخيبة أملهم وقت صلبه. وعند التجلِّي أرسل الربُّ موسى وإيليَّا ليتكلَّما مع يسوع بخصوص آلامه وموته. وبدلًا مِن أنْ يختار الله ملائكة ليكلِّموا ابنه، اختار هذين اللذين اختبرا بنفسيهما تجارب الأرض. SRAr 205.4

لقد سار إيليَّا مع الله، وكانت خدمته مؤلمة ومُرهقة، لأنَّ الربَّ مِن خلاله انتهر خطايا إسرائيل. وبالرغم مِن كونه نبيًّا لله، فقد اضطرَّ إلى الهَرَب مِن مكانٍ إلى آخر لِيُنْقِذَ حياته. وكانت أمَّته ذاتها تُطارده كالوحش الكاسر لافتراسه، لكنَّ الله أصعد إيليَّا إلى السماء، وحملته الملائكة إلى السماء في مجدٍ وانتصارٍ. SRAr 206.1

أمَّا موسى فقد كان أعظم مِن أيِّ إنسان عاش قبله. وقد خصَّهُ الله بكرامة عظيمة، ومنحه امتياز أنْ يُخاطِب الربَّ وجهًا لوجه، كما يُخاطِب صديقٌ صديقَه. لقد سُمِحَ له أنْ يرى النور الساطع والمجد الأسمى الذي أحاط بالآب. ومِن خلال موسى أنقذ الربُّ بني إسرائيل مِن عبوديَّة مصر. كان موسى شفيعًا لشعبه، وغالبًا ما كان يحول بينهم وبين غضب الله. وعندما كان يحمى غضب الربِّ على إسرائيل لِعَدَمِ إيمانهم وتذمُّراتِهم وخطاياهم المُشينة، كانت محبَّة موسى لهم تقع تحت الاختبار. وقد ارتأى الله أنْ يُهلِكَهم ويجعل مِن موسى شعبًا عظيمًا. أظهر موسى محبَّته لإسرائيل بتضرُّعه المُخلِص لأجلهم أمام الربِّ. وفي ضيقه صلَّى إلى الله طالبًا منه أنْ يرجع عن حموِّ عضبه ويغفر لإسرائيل، أو أنْ يمحو اسمه مِن كتابه. SRAr 206.2

لقد ذاق موسى الموت، لكنَّ ميخائيل نزل مِن السماء ومنحه الحياة قبْلَ أنْ يرى جسده فساد القبر. حاول الشيطان أنْ يحتفظ بجسد موسى، حيث ادَّعى أنَّه ملكه؛ لكنَّ ميخائيل أقام موسى وأخذه إلى السماء. ثار الشيطان ضدَّ الله بمرارة، حيث اتَّهمه بعدم الإنصاف لأنَّه سمح لفريسة الشيطان أنْ تُنزع منه؛ لكنَّ المسيح لم ينتهر خصمه على الرغم مِن أنَّ تجارب الشيطان هي التي تسبَّبت في سقوط خادم الله موسى. أشار المسيح بوداعته إلى أبيه، قائلًا: «لِيَنْتَهِرَكَ الرَّبُّ!” (يهوذا ٩). SRAr 206.3

كان يسوع قد أخبر تلاميذه أنَّ قومًا مِن الحاضرين معه لن يذوقوا الموت حتَّى يروا ملكوت الله آتيًا بقوَّة. لقد تمَّ هذا الوعد عند التجلِّي، فهناك تغيَّرت هيئة يسوع، وصار وجهه مُضيئًا كالشمس، وثيابه صارت بيضاء لامعة. كان موسى حاضرًا، وهذا ما رمز إلى مَن سيُقامون مِن بين الأموات عند المجيء الثاني للمسيح. أمَّا إيليَّا الذي صعد إلى السماء دون أنْ يرى الموت، فكان يرمز إلى الذين سينتقلون إلى الخلود عند المجيء الثاني للمسيح ويصعدون إلى السماء دون أنْ يروا الموت. وبخوف ودهشة شديدتين نظر التلاميذ إلى هيئة يسوع الملوكيَّة السامية وإلى السحابة التي غطَّتهم، وسمعوا صوت الله بجلال رهيب يقول: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا» (لوقا ٩: ٣٥). SRAr 207.1