قِصَّة الفداء

97/229

التجربة

بعد معموديَّة يسوع في نهر الأردنّ، اقتيد بالروح إلى البرِّيَّة ليُجرَّب مِن إبليس. كان الروح القدس قد أعدَّ يسوع لمشهد التجارب العنيفة ذاك. ظلَّ يسوع يُجرَّب مِن الشيطان لمدَّة أربعين يومًا، ولم يأكل شيئًا خلال تلك الأيَّام. كلُّ ما كان حوله كان قبيحًا تنفر منه الطبيعة البشريَّة. كان مع الوحوش الضارية وإبليس، في مكان موحِش ومهجور. كان ابن الله شاحبًا وهزيلًا بسبب الصوم والمُعاناة. ولكنَّ مساره كان قد رُسِم، وتوجَّب عليه إتمام العمل الذي جاء مِن أجله. SRAr 198.2

انتهز الشيطان فرصة مُعاناة ابن الله، وأعدَّ نفسه ليُهاجِم المسيح بتجارب مُتنوِّعة آمِلًا أنْ ينتصر عليه بما أنَّه كان قد وَضَعَ نفسه كإنسان. جاء الشيطان ليُجرِّبه قائلًا: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». لقد جرَّبَ الشيطانُ يسوع بأنْ يتنازل له ويُعطيه بُرهانًا على أنَّه المسيَّا عن طريق اللجوء إلى قوَّته الإلهية. فأجابه يسوع بلطف قائلًا: «‹مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ›” (لوقا ٤: ٣، ٤). SRAr 198.3

كان الشيطان يطمح لأنْ يُجادل يسوع حول كونه ابن الله، فأشار إلى حالة ضعف يسوع ومُعاناته مُؤكِّدًا بتبجُّح أنَّه أقوى منه. لكنَّ الشهادة التي نطقت بها السماء «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ» (لوقا ٣: ٢٢) كانت كافية لتُعين يسوع خلال كلِّ مُعاناته. لقد رأيتُ أنَّ المسيح لم يكن ملزَمًا بأنْ يُقنِع الشيطان بقوَّته أو بأنَّه هو مُخلِّص العالَم. كان أمام الشيطان أدلَّة وافرة تشير إلى مكانة ابن الله السامية وسلطانه. وكان رفضُ الشيطان الخضوع لسُلطة المسيح السبب في طرده مِن السماء. SRAr 199.1

ولكي يُظهر الشيطان قوَّته، أخذ يسوع إلى أورشليم وأوقفه على جناح الهيكل، وهُناك جرَّبه مطالبًا إيَّاه أنْ يثبت أنَّه ابن الله مِن خلال أنْ يُلقي بنفسه مِن عُلُوٍّ شاهق. جاء الشيطان بكلمات موحى بها في الكتاب المقدَّس: «لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيلَ: ‹لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ›” (لوقا ٤: ١٠-١٢). كان الشيطان يأمل بأنْ يجعل يسوع يتجرَّأ على رحمة أبيه ويُجازف بحياته قبل أنْ يتمِّم مُهمَّته، وكان يتمنَّى لتدبير الفداء أنْ يُمنى بالفشل؛ لكنَّ التدبير كان قد بُنِيَ على أساس أعمق مِن أنْ يطيح به الشيطان أو يُفسده. SRAr 199.2

إنَّ المسيح هو المِثال الأعلى لجميع المؤمنين. فعندما تصيبهم التجارب أو تكون حقوقهم محلَّ خلاف، عليهم أنْ يحتملوا ذلك بصبر. ولا ينبغي أنْ يشعروا أنَّ مِن حقِّهم أنْ يدعوا الربَّ ليستعرض قوَّته لكي ينالوا الغلبة على أعدائهم، إلَّا إذا عاد ذلك بالمجد والكرامة على الله بشكل مُباشر. لو أنَّ يسوع رمى بنفسه مِن على جناح الهيكل، لَما رجع ذلك بالمجد على أبيه، إذ لم يكن هناك مَن يُشاهد ذلك العمل سوى الشيطان وملائكة الله، وهذا كان سيضع الربَّ في تجربة تجعله يقوم باستعراض قوَّته لألدِّ أعدائه. كما أنَّ ذلك سيكون بمثابة تنازل لذاك الذي ينبغي أنْ يُقهَر بمجيء يسوع. SRAr 200.1

«ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: ‹لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ›. فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ:‹اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ›” (لوقا ٤: ٥-٨). SRAr 200.2

أظهر الشيطان أمام يسوع ممالك المسكونة بأبهى صورها، وعرض على يسوع أنْ يتخلَّى له عن ممتلكاته الدنيويَّة المزعومة في حال سجد يسوع أمامه. أدرك الشيطان أنَّه إذا تمَّت خطَّة الخلاص ومات يسوع لأجل فداء الإنسان، فإنَّ قوَّته لا بدَّ أنْ تضعف وفي النهاية ستُنزع منه وسيلاقي الهلاك. ولهذا السبب، اقتضت خطَّته المدروسة أنْ يحول ــ إنِ استطاع ــ دون إتمام العمل العظيم الذي بدأه ابن الله. وفي حال فشلت خطَّة فداء الإنسان، سيحتفظ الشيطان بالمملكة التي ادَّعى أنَّها مملكته. لقد كان يمنِّي النفس بأنَّه ــ في حال نجح ــ سيتمكَّن مِن الحكم في مواجهة مع إله السماء. SRAr 200.3